الكُوْفَةُ المُضِيْئَةُ بِمَاضِيْهَا وَحَاضِرِهَا وَمُسْتَقْبَلِهَا

نادية محمد شلاش/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 351

اتخذ الرسول (صل الله عليه وآله) المدينة المنوّرة عاصمةً له عندما هاجر من مكّة إليها، وكذلك اتخذها الخلفاء الثلاث من بعده، لكن عندما آلت الخلافة للإمام عليّ (عليه السلام) قرر أن يتّخذ عاصمةً له غير المدينة، فوقع اختياره على الكوفة بتوصية من رسول الله (صل الله عليه وآله) واختياره هذا لم يكن اعتباطاً بل لعدّة أمور منها: 1. الكوفة من المدن القديمة في العراق ولها تاريخ عريق منذ اختطاطها وعمرانها، واختيار أمير المؤمنين (عليه السلام) لها كان مبنياً على دراسةٍ عميقة ورؤية صائبة لعاصمة الإمامة العالمية، وسبباً من أسباب التمهيد لدولة الحجّة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ومقرّاً لحكمه إذ قال (عليه السلام): "الكوفة كنز الإيمان، وجمجمة الإسلام، وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء، والذي نفسي بيده لينصرن الله جلّ وعزّ بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز". 2. تُعدُّ منطقة القوّة والنفوذ العسكري وتميّزت بأنّها مركز جاذب لدائرة الجند العربي الفاتح والفخور بقوّته وإيمانه وبأنسابه، حيث كانوا ينتمون لأشهر البيوت العربية الموالية لأمير المؤمنين (عليه السلام) والمهيّأة عند النفير والخروج للجهاد في ردِّ الهجمات والغزوات التي لها دور كبير في الفتوحات الإسلامية المنتصرة، فالكوفة كانت فيها منطقة تُدعى (الإسباغ) وهي مناطق عسكرية لحشر مقاتلي القبائل وتحت أمرة قيادات مستعدة لمواجهة محاولات شقِّ وحدة المسلمين، كما أنّ أهل الكوفة أبدوا استعدادهم لنصرة الأمير حتّى أُطلق عليهم في كتاب بعثه إليهم (جبهة الأنصار وسنام العرب)، فأهل الكوفة معروفون بالولاء السياسي لآل بيت النبيّ (صل الله عليه وآله). 3. تُعدُّ الكوفة أقرب مدينة لحماية الدولة الإسلامية بكلّ أبعادها من هجمات التمرّد الذي خلّفه معاوية كما ساندوه في حرب البصرة، فقد جمع إليه رؤوس أهل الكوفة ووجوه الناس فيها وخطب فيهم معرباً عن اعتزازه بأهل الكوفة وولائهم، وكذلك قوله لعمر عندما استشاره في معركة نهاوند (اكتب إلى أهل الكوفة فهم أعلام العرب ورؤساؤهم). 4. وجود العامل الاقتصادي؛ إذ كانت الكوفة تتمتع بموارد اقتصادية متنوّعة فهي تتمتع بالاكتفاء الذاتي، وعن طريق تنظيم الإدارة المالية التي تولّاها الإمام (عليه السلام) استطاع دعم القوّة العسكرية للقضاء على الناكثين. 5. وجود مقوّمات أساسية لقيام حضارة عربية إسلامية إنسانية مادية وغير مادية وروحية. 6. فيها أرشيف لكلّ نبيّ وفي جوفه رخامة فيها صور كلّ المرسلين، وهي سرّ من الأسرار الّتي يستخرجها الحجّة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في دولته المرتقبة بإذن الله، وفيها يظهر عدل الله (عزّ وجل)، عن محمّد بن الحنفية قال: إنّ الكوفة دار هجرة فكانوا وزراء أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنصاره وسيكونون وزراء المهدي وأنصاره وقال أيضاً: الكوفة حرم نوح, وحرم هود, وهي حرمنا آخر الزمان. 7. تميّزت بوصف أمير المؤمنين (عليه السلام) كأنّي بكِ يا كوفة تمدّين مد الأديم, تعركين بالنوازل, وتركبين الزلازل، وإنّي لأعلم أنه كانت الكوفة وما زالت ملاذاً ومنبراً للعِلم والعلماء والأدباء والمفكّرين قديماً وحاضراً ومستقبلاً، وما ازداد من قيمتها التاريخية كونها ذات قداسة، والمركز الوحيد للثقافة الإسلامية الذي مدَّ العالم الإسلامي بالعلوم والمعارف الإسلامية. ........................................ نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ص363، ج16. خطط الكوفة: ص40. تاريخ الكوفة: /77-78,/10/164 صبح الأعشى في صناعة الانشا: ص333. معجم البلدان: ج5، ص272. نهاية الإرب في فنون الأدب: ص429. ماضي النجف وحاضرها:ج1، ص8. المفضل في تاريخ النجف الأشرف: ج1، ص10.