أروقة جامعية

د. ولاء الملا/ البحرين
عدد المشاهدات : 478

ما تخبّئه لنا الأروِقة هُناك.. عن التفاصيل التي تصنعُ ذاكرة الحلم، بين سندانِه.. والواقع.. نونُكِ.. "جَرَّةُ قَلَم" ستتجلّى رؤيتكِ للأمور، حين يمكنكِ إمعان النظر في قلبكِ، فمَنْ ينظر إلى خارجه يحلم، ومَنْ ينظر إلى داخله يستيقظ! "ممرّات" إنّ أي كمال متصوّر لكِ إنّما هو كمال مُضاف في مرحلةٍ لاحقة على نطفة نتنة هي أصلك المادي الذي نمّاها وغذّاها وصيّرها بشر.. ربّها! ‏يعني، كلّ ما آلت إليه من خير هو من فضل ربّها الذي أعطاها خلقها، ومن ثمّ هداها ووهبها كلّ شيء، يُساعدها على صلاح أمرها، أو تحقيق أي شيء في الحياة ابتداءً من الفكرة وانتهاءً بأي أثرٍ مادي. ‏فكلّما ترسّخ في نفسكِ الفهم لوجودكِ، وضعفكِ، وافتقاركِ، هذا الأمر -بنحوٍ ما- يُقرِّبكِ مسافة ما لمعرفة الله.. ‎‏لربّما هذا بعض من المعنى المفترض لقول الأمير (عليه السلام): "مَنْ عَرَفَ نفسه عَرَفَ ربّه".(1) ................................. (1)ميزان الحكمة: ج3، ص1877. "مُذَكِّرَاتٌ جَامِعِيَّةٌ" الحلقة الثانية والعشرون خرجت من محاضرة تخصص العظام بعد يومٍ طويل مليء بعمليات جبر الكسور، ترك الطبيب المسؤول عليهم، كان عقلها يجلسُ على حافة أوراقها المتراكمة في أثناء استراحة دراسية (ادّعت أنَّها قصيرة) وكانت تطرق بإصبعها على وجه الهواء المحيطة بها ذرّاته، كأنَّها تناثرها، لئلّا تتكاثر فيها علامات الاستفهام. ‎مرّ وقت الاستراحة وعقلها لم يسترِح، كانت ستغلقُ المصحف بعد آخر آيةٍ في سورة المرسلات: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)/ (المرسلات:50)، لكن نقطة سقطت على رأسها، استمهلتها، كانت من تلك النون في: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) في الصفحة التي تلتها كانت ثقيلة جداً حتّى أنَّها استوقفت خطاها، كانت فكرةً لحوحة تكاثِرُ الأسئلة، لم تستطع إيجاد وصفٍ لها أو حتّى مُسمّى، أعادت فتح المصحف وبقيت تمارس التحديق في تلك الآية علّ نقطة أخرى تسقط فتغسل الغبش عن تلك الفكرة، كانت القطرات تتوارد، وكانت رغبة جامحة بأن تتوقّف كلّ حركةٍ حولها حتّى تستطيع النظر، حتّى كانت في عقلها لمعة كأنّها الوحي: العلم نقطةٌ، كثرت في دوائر الأسئلة.. ‎قفز رأسها فوق الأوراق، تدحرجت عيناها، لكنها لم تستطع أن تجد حلقة الوصل بين الدائرتين.. ‎أمضت نهارها في تيه في أزقةِ الأفكار، أروقة المستشفى الذي تعرفه، كانت تسأل: من أين يجب أن تكون البداية؟ من هذا العظم المكسور؟ أم من ذلك العمق المجبور في نفسي؟ ابتسمت بعد مطر الأسئلة وهي ترى كيف أنَّ ‏الحلم صار ينمو معها، يكبر بأسئلتها كلّما رأت سؤالاً وانكشفت لها الإجابة.. رفعت كفَّي قلبها والضوء الداخل من باب المستشفى يعانقه: إلهي كلّما عرفتُ نفسي عرفتكَ أكثر، عرِّفني نفسكَ، حتّى لا أهلك أو أضل..