مَدَارَاتُ العُمْرِ
تجري رياح الغدر في طرقها.. والأمنيات تطوف في نواحيها.. أدار بعينيه باحثاً عن الأمان.. عن الأمنية.. وعن مواسم الفرح والحبور.. اشتدَّ به البأس على وتر الغدر.. وفقد العمر وكلّ الأمنيات.. طاف حولهم.. ليكتب العهود.. لتكون رابطاً بينهم.. فسرقت الرياح منه العمر.. وتناثرت العهود والأمنيات.. وكان رابطهم خزعبلات الخيانة.. غارت في نفوسهم منابع الخوف.. ورسمت هواجسهم طريق الشك وصارت العبرات تسعى إليهم.. وعلى الخد تسيل.. اشتدَّ الوقع عليه.. ناولوه السم الزّعاف.. وعلى أوتار الشماتة عزفوا غلّتهم.. ورتّلوا آيات الظنون لمقاصدهم.. ومن كأس الأسى تجرّع الكاظم (عليه السلام).. سما القلب ببسم الله.. ورتّل عليهم قصائد الرحيل.. تعالت صيحات الخيبة.. ورفعت الدنيا صراخها.. وأقامت مراسيم التأبين على غصن الغربة.. أيّها الكاظم رفقاً بنا.. لا ترحل.. لقد أرخيت ستائر الصبر والتجمّل.. وسُجنت في سجون الروح قبل سجونهم.. وفي القلب آهات وتوجّع.. أيّها القضاء الجميل.. أغلق دونهم أبواب الغياب.. وشمِّع بالحضور منافذ غدرهم.. ودعنا نغتسل بوجودكَ.. ننسج لوحدتكَ وغربتكَ الآهات.. ونكسر ذلك الجسر الرديء بالذكريات.. أفلا تسألنا إلى أين نحن ماضون..؟! ألا تسألنا عن رداءة الزمان وقسوته.. عن القصيد.. والوجع.. والفقد وغربته.. عن اليقين الذي خضّب خطاوينا.. عن ضريحكَ.. وغربتكَ.. وجرحكَ الذي توغّل في الصدرِ.. بدّد رحيلكَ الأمان.. وضاع حفيف الإمامة والعدل.. فتناثرنا هباءً بين علامات الحزن.. وأمسينا ننادي يا كاظم الغيظ.. شيعتكَ تغرق في ماءٍ آسن.. وهي تحمل تابوتكَ كلّ عام.. وما تبقّى من ذواتها.. ومن براءة فكرها التي انتحرت.. وبقايا ضحايا الزمان.. هاهي تشيِّع جنازتكَ.. وعلى جسر بغداد تتلقّى عزاءكَ..