رياض الزهراء العدد 77 أنوار قرآنية
شَذَراتُ الآيات
قال تعالى: "وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ"/ (النور:31). تتحدث هذه الآية والآية التي سبقتها عن واجب الرجل والمرأة إزاء بعضهما الآخر إضافة إلى مسالة ستر العورة، فالآية يشار إليها موجهة للرجل وفيها نهي عن النظر إلى مالا يحل له ووجوب ستر العورة اجتناباً من الوقوع في الزنا. أمّا هذه الآية فتحوي على أحكام للنساء وفيها نفس الحُكمين الواردين في الآية السابقة مع اختلاف الضمائر من مذكر إلى مؤنث، إذ تقول على المؤمنات غضّ أبصارهنّ وحفظ فروجهنّ, نود أن نشير هنا إلى مسألتين: أولاً: إنّ بعض النساء قد تتوهم أن الرجال فقط لا يحقّ لهم النظر إلى النساء إذ لا يجوز لهم النظر بريبة وتلذذ وأن المرأة غير ممنوعة من ذلك فبعض النساء تتصور أنه يجوز لها النظر إلى الرجل وتقلبه ببصرها كيف تشاء، وهذا من الخطأ فإن كان الله عز وجل قد حرّم النظر إذن فهو محرم على الجنسين وإن كان جائزاً فهو جائز لكليهما. ثانياً: هناك قضية أخرى هي أنّ بعضهم يتصور أنه يجوز للمرأة النظر إلى المرأة بأجمعها حتى عورتها وأنه ليس للرجل الحق في النظر إلى عورة الرجل الآخر، وهذا باطل فعورة المرأة محرمة على المرأة حتى وإن كانت أختها وابنتها أو أمها. إنّ الآية المتعلّقة بالرجال أقصر من الآية المتعلّقة بالنساء، فالقران يأمر المرأة مثلما يأمر الرجل إلّا أنه جعل واجباً للمرأة لم يجعله للرجل وهو (تكليف المرأة بستر نفسها) ولم يُكلّف الرجل بذلك وهذا واضح من خلال آية "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ"، طبعاً ليس المقصود من ذلك وسائل الزينة كالقلادة والأساور حتى وأن كانت ملقاة جانباً وإنما المقصود بالزينة حيثما تكون على بدن المرأة، أمّا المقصود بالآية "إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" فهي الزينة الظاهرة التي لابدّ من إظهارها في المرأة، فهي مأمورة بستر زينتها ووضع الاستثناء في كلّ ما غلبها وظهر بحكم الضرورة.(1) لماذا كُلّفت المرأة بستر نفسها ولم يكلف الرجل بذلك، ما السرّ الكامن وراء هذا التشريع؟ إنّ هذا الأمر واضح وذلك أنّ مشاعر الرجل والمرأة ليست متشابهة تجاه بعضهما، ووضع المرأة الخلقي مختلف أيضاً، إذ هي مَن يتعرّض للهجوم من عين الرجل ويده وجوارحه الأُخر ولا يتعرض الرجل لمثل هذا الهجوم من قبل المرأة، وجنس الذكور والإناث في الطبيعة كلّه على هذه الشاكلة؛ لذا نرى أن الرجل هو الذي يبادر لخطبة المرأة وهذا أمر طبيعي وفطري وهي حكمة كبرى في عالم الخلقة، ثم إنّ المرأة مظهر للجمال والزينة وحينما يُقال لها أن تستر نفسها؛ ذلك لكي لا تقع في الفتنة؛ لأن إظهار هذه الزينة يمهد لسبيل الغواية. إنّ هناك ميزة في هذا التشريع وهي إيجاد السَكينة الروحية، فكلّ مجتمع تقوم فيه علاقة الرجل بالمرأة على أساس العفاف وفي حدود التعاليم الإسلامية إذ لا تجعل المرأة من نفسها عرضة لعين الرجال وهم أيضاً لا يركضون وراء الملذات خارج إطارات العلاقات الزوجية وبذلك سوف تبقى الأرواح والقلوب هادئة ومطمئنة، وكلّ مجتمع تسوده عكس هذه الحالة يعيش في قلق واضطراب نفسي.(2) أمّا بخصوص الآية "وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ" فإن كلمة خُمُر جمع خمار وهي على وزن حجاب وتعني العطاء إلّا أنه يُطلق بصورة اعتيادية على الشيء الذي تستخدمه النسوة لتغطية رؤوسهنّ. أمّا كلمة جيوب جمع (جيب) تعني ياقة القميص، وأحياناً يُطلق على الجزء الذي يحيط بأعلى الصدر لمجاوزته الياقة، ونستنتج من هذه الآية أن النساء قبل نزول هذه الآية كنّ يرمين أطراف الخمار على أكتافهن خلف الرأس بشكل يكشف فيه عن الرقبة وجانب من الصدر فأمرهن القران الكريم بأن يرمينَ أطراف الخمار حول أعناقهنّ أي فوق ياقة القميص؛ ليسترنَ بذلك الرقبة والجزء المكشوف من الصدر وهذا سبب نزول تلك الآية.(3) ........................... (1) الحياة السعيدة، ص164. (2) تفسير سورة النور، ص60-71. (3) الأمثل، ج11، ص50-51.