رياض الزهراء العدد 80 لحياة أفضل
وِجهَةُ نَظَر
إنّ مؤسسة الزواج من أقدس المؤسسات الاجتماعية في العالم، وهي التي عبّر عنها القرآن (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)/ (النساء:21) فوصف هذا العقد بالميثاق الغليظ، وتتكوّن هذه الشركة كما هو معلوم من شريكين قد يكونان مختلفين من حيث الثقافة والمحيط العائلي والاجتماعي، إذ يكون كلّ منهما قد انحدر من أسرة معيّنة تختلف عن الأخرى، بل إن في أغلب الزيجات يكون هناك اختلاف بين طباع وميول الزوجين، ولكن هذا الاختلاف كأنه يخلق نوعاً من الجاذبية والتجديد والحيوية في هذه العلاقة، وليس المقصود حتماً أن يصل الاختلاف إلى حد التباين بين الأفكار والرؤى، وإلا ستبدو الحياة شبه مستحيلة بينهما، لكن أن يكون هذا الاختلاف على حدّ قول المناطقة بينهما نسبة عموم وخصوص من وجه، أي أن هناك نقطة اتفاق والتقاء وإن كانت هناك نقاط اختلاف، ونقطة الاتفاق هذه تجعل هذا الحب حباً مملوحاً محبباً، وبمرور الوقت والعشرة الزوجية يبدأ كلّ منهما يزوّد الآخر تلقائياً بثقافته وبأطباعه، ويؤدي انجذاب كلّ منهما إلى تقبل أطباع الطرف الآخر، ويتنازل عن بعض رغباته إرضاءً لشريكه. وإذا بهذه المؤسسة بعد مدة من الزمن تكتسي بإطار وطابع خاص يخص هذه الأسرة؛ لتتميز عن غيرها من الأسر، وربّما تختلف حتى عن الأسر الكبيرة التي نشأت منها، فترى الأبناء يحملون خلق الأبوين معاً، سواءً كان هذا الخلق إيجابياً أو سلبياً فهم يتأثرون بهما إمّا بتربيتها أو عن طريق الوراثة وأثرها، ومن هنا نرى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤكد الظفر بذات الدين، وأن لا يحقّ لنا تزويج البنت إلا من كان ذا (خلق ودين) "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه"(1)؛ لأن هناك تلاقحاً في الأفكار وتأثر بالأطباع والأخلاق، وإلا يكون هناك فراق وتنازع وحياة مريرة لا سامح الله تعالى؛ ولهذا حقاً تثير الاستغراب بعض الأمهات عند البحث عن زوجة للشاب الابن فنجدها كأنها تبحث عن وجه سينمائي لتمثل دوراً في فيلم سيكون من إخراجها، وقد تكون النهاية مأساوية لا تُرضي أحداً طبعاً، متناسية أنها تبحث عن شريكة لولدها في تأسيس أسرة هي نواة لهذا المجتمع. ولهذا نجد الشارع المقدس قد ركّز كثيراً على هذه المؤسسة في القرآن ووصفها بأدقّ وأرق التعابير: (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)/ (الروم:21). فالسكينة والمودة والرحمة من أجمل التعابير التي ممكن أن تعبّر عن علاقة بين اثنين قد تدوم عمراً بكامله، فهذا التأثير بين كلّ من هذين الشريكين في الآخر يستوجب أن يكون الإنسان دقيقاً في اختيار الزوجة واختيار الزوج؛ لأن الزواج مشروع قد يمتد بنا إلى عالم الآخرة لا عالم الدنيا فقط. فهذا شيخ الموحدين إبراهيم (عليه السلام) قد اختار هاجر زوجة وأمّاً لأبنائه وهي أَمة، وقد كان اختياراً موفقاً؛ لأن النبي إبراهيم (عليه السلام) كان ينظر بمنظار بعيد المدى؛ ليكون من ذريته رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو أشرف مخلوق في العالمين، ولتمتد ذريته لتشمل الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، كلّ هذا كان ثمرة اختيار موفق، فلم يكن المنطق المادي هو الحاكم، وإنما كان المنطق منطق الاختيار المولويّ المرضيّ لله(عز وجل). فالزواج الصحيح هو الذي يقوم على الاختيار الصحيح منذ البداية، وهو وفق رؤى الشارع المقدس وتوصيات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله). ولندع الباقي لله تعالى فهو الذي يقول: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)/ (الروم:21)، فالألفة والمحبة هي جعلٌ من الله تعالى لا تجلبها المادة بتاتاً. ................................... (1) ميزان الحكمة: ج8، ص74.