رياض الزهراء العدد 144 أنوار قرآنية
إثْبَاتُ إنْسَانِيَّةِ إنْسَانٍ
تُعدُّ المرأة في عصر ما قبل الإسلام شيئاً وسلعةً تُباع وتُشترى, تعيش حالةً مأساويةً لا تقل عمّا كانت تعيشه في الأمم السابقة إلّا أنَّ هناك بعض النساء برَّزت نفسها بصورةٍ إيجابية وغيّرت نظرة ذلك المجتمع القبلي اتجاهها؛ لما حازته من مكانةٍ رفيعةٍ في مجتمع عصر ما قبل الإسلام من الناحية النسبية وغيرها من الصفات التي جعلتها تأخذ مكانتها الصحيحة في ذلك المجتمع, ولكن نجد في معظم الحالات المرأة عندهم مضطهدة مقهورة, وكانت البنت تُدفن حيّة, والمرأة عندهم من غير استقلال, تورث كما تورث السلع, وكانت تابعةً للرجل وليس لها رأي, ويتشائمون من ولادتها ويعدّونها عاراً على والدها وشؤماً له: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ).(1) (ومعاملتهم هذه معاملة مركّبة من معاملة أهل المدنية من الروم وإيران, كتحريم الاستقلال في الحقوق, والشركة في الأمور الاجتماعية, كالحكم، والحرب وأمر الزواج إلّا ما استثنى, ومن معاملة أهل التوحش والبربرية فلم يكن حرمانهم لها مستنداً إلى تقديس رؤساء البيوت وعبادتهم، بل من باب غلبة القوي واستخدامه للضعيف).(2) وعند مجيء الإسلام قلب معادلة المرأة, وجعلها إنساناً لها كرامة وحرمة كما للرجال على حدٍّ سواء, وأعطاها حقوقها التي سُلبت منها على مرّ العصور, وذلك بما يحتوي الإسلام على جميع الأحكام والتشريعات والقوانين التي تحفظ كرامة الإنسان من الوقوع في المهالك, ويحمي حقوق جميع أفراده وطبقاته الاجتماعية, وتُحافظ على مصالحه الدنيوية والأخروية وفق النظرية التي يراها الإسلام للإنسان من كونه موجوداً متكاملاً وله حياة أخروية أبدية بعد أن يبعثه الله تعالى بعد الموت. فالإسلام أعطى لكلّ من الجنسين حقوقاً وفرض عليه واجبات تتلاءم مع تكوين كلّ واحد منهما، والوظيفة المُلقاة على عاتقه في هذه الحياة في تكوين المجتمع الإنساني, فساوى ولم يُفرِّط في أحدٍ على حساب الآخر، فكلّ من الرجل والمرأة مكمّل لبعضهما الآخر. ففي مجال حرّيتها أعطاها المساحة الكاملة في الرفض والاختيار في أمورها, ولم يجعل لأحدٍ حقّاً في إجبارها على شيءٍ لا ترغب فيه، كما جعل لها حرية التصرّف في أموالها, وأن تستثمر هذه الأموال كيفما تشاء في ضمن الحدود الشرعية, مثلما تتمثّل أهلية المرأة في منح الإسلام لها حق التملّك, فهي تملك بالإرث وبالكسب من العمل والتجارة(3) ولها الحق الاقتصادي عن طريق التصرّف الشخصي الحر, ولها أن تملك وتبيع ما تشاء وتتصدّق أو تنفق كيفما تشاء, وليس لأحدٍ أن يمنعها من ذلك إذا كان في ضمن الحدود الشرعية، وأعطاها الحرية الكاملة في إبداء رأيها في جميع المجالات السياسية والاجتماعية وغيرها. والإسلام أول من قرّر هذه الحقوق وأعطاها حق التعليم. ولها حرية انتخاب الزوج, ورفضه, وأن تخطب لنفسها, وتُعامل معاملة كريمة، وأنّ لها حقّ الانفصال حين لا تجد معاملة معروفة, كما وأعطاها حق العمل, والاشتغال حسب الضوابط الشرعية. ولقد ثبت ذلك منذ اليوم الذي ظهر فيه الإسلام وأبدت رأيها بشكلٍ واضح كالسيّدة خديجة التي أسلمت, وكانت أول النساء دخولاً في الإسلام. وشاركت المرأة في إرساء الإسلام سياسياً واقتصادياً, ودافعت عنه بكلّ ما تملك ليكون دولة قوية. ويمكن للمرأة أن تصل إلى أعلى درجات الكمال الروحي, وإنه لا تفاضل إلّا بالتقوى, فإنَّ الله تعالى خلق لكليهما عقلاً يمكنه أن يميّز الصواب من غيره. ................................... (1) (النحل:58، 59). (2) تفسير الميزان: ج2, ص271. (3) اقرأ آية (7) من سورة النساء.