رياض الزهراء العدد 144 تنمية البشرية
اكْتَشِفْ نَفْسَكَ
ارتأيتُ أن اسطّر عن طريق هذه المساحة المتاحة لي بعض الكلمات التي نجوب من خلالها بين ربوع أنفسنا، ونسعى لاكتشاف هذا العالم الغني بالأسرار، والذي يخفى عنّا الكثير منها، فلذلك كان لزاماً علينا أن نسعى للبحث عن المفاتيح المناسبة لكلّ باب من الأبواب، فهذه الشخصية التي حبانا الله (عز وجل) بها تتمتع بميزات كثيرة ومن خلالها نتكامل وننسجم مع الآخرين. رّبما طرق مسامعنا عنوان لافت، أو وقعت أعيننا على كلمات تحتوي على جملة من الأنماط التمثيلية، فتبادر إلى أذهاننا بسرعة السؤال المعتاد: ما هي الأنماط التمثيلية؟ وماذا تعني؟ أستطيع إيجاز المعنى بأنّها المنافذ التي عن طريقها يتمثّل العالم الخارجي لي ويتشكّل بطرقٍ مختلفةٍ، كلٌّ حسب نوع هذا المدخل، وإلى أين ستتوجّه المعلومات؟ وما هي الحاسة المؤثّرة في هذا الطريق؟ الذي يختزن بين جنباته الكثير من آليات التفسير التي بدورها تكون القائد لعملية الترجمة الخارجية والتي يراها مَنْ حولنا. قال الله: (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)/ (النحل:78)، إذاً هناك من يكون المدخل الذي من خلاله يتمثّل له العالم الخارجي، هو عن طريقة رؤية ما يدور من ألوان وصور ولغة جسد، وكلّ ما تستطيع العين التقاطه فتجده يتّصف بالسرعة في الكلام، والحركة، وغالباً ما يقاطع الآخرين عند التحدّث معهم، ويكون الدافع له لذلك هو المخزن الكبير للمعلومات، والصور، وكيف إنّه يرغب أو يتمكّن من إيصال كلّ التفاصيل بكلّ حذافيرها بدون أن يغفل أي نقطة مهما كانت بسيطة لدى الآخرين، وممّا يميّزه أنه يستخدم الكلمات التي تعبّر عن الأشكال، ويرسم كلّ ما يريد التعبير عنه بلوحات خيالية كاملة، بينما نجد الشخص الذي يشكّل لديه السمع المدخل الأساس لالتقاط المعلومات يتأثر بكلّ ماله علاقة بالأصوات، والنغمات، وتكون الأصوات غير المريحة مصدر إزعاج له حسب تفسيره مهما كانت غير مسموعة لدى غيره، وممّا يميّزه هو التوازن في الحديث والحركة، ولديه قدرة على التلاعب في نبرة صوته، وقد يكون هناك من تقوده المشاعر وتشكّل له الحجر الأساس في كلّ حركاته وسكناته، فتجده مرهف الحس يعبّر عمّا في داخله عن طريق الكلمات التعبيرية والحركات القليلة؛ حيث إنه هادئ وبطيء الحركة، ومن خلال هذه النقاط السابقة نجد أننا إن أصبحنا ملمِّين بهذه الاختلافات والتميّز الجميل الذي يجمعنا نكون قد أكملنا اللوحة الجميلة لهذا المجتمع، حينها سأتفهّم أنَّ من يقاطعني لديه الرغبة الشديدة في إيصال كلّ التفاصيل لي؛ وذلك لأنه يهتم بي فتتغيّر النظرة له، ونعمل بحسن الظن، وعليه نسعى لتطبيق نهج رسول الله (صل الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلامٍ له: "ضَعْ أمر أخيك على أحسنه".(1) لنبدأ باكتشاف أنفسنا ونتعرّف على مداخل المعلومات لدينا، وكيفية الاستجابة التي تحدث، ومن ثمّ أستطيع تغيير النظّارة التي ارتديها لأنظر بوضوح، وأقيّم كلّ كلمةٍ أو فعلٍ لاختار التفسير الصحيح لما يجري وابني على أساسه ردود أفعالي التي تصب في دائرة الفائدة لكلّ من حولي. ................................ (1) الكافي: ج5، ص986