عَالَمُ البَرْزَخِ
البَرْزَخُ لغةً: ما بين كلّ شيئين(1). وعالم البرزخ: عالمٌ بين عالمي الدنيا والآخرة، وسمّي بالبرزخ لتوسّطه بينهما. اتّفق علماء الإسلام ــ باستثناء عدد قليل غير ملحوظ ــ على أصل وجوده وما فيه من ثواب أو عذاب مع بعض الاختلافات الجزئيّة بينهم. وقد دلّت على وجوده أدلةٌ عقليةٌ وشرعية، فأما العقلية فقد أثبتت تجرّد الروح وبقاءها بعد فناء الجسم. فضلاً عن اتصال بعض العلماء بعالم الأرواح وتوصّلهم عن طريقه إلى بعض الحقائق(2) وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدلُّ على وجود عالم البرزخ وحقيقته بعد عالم الدنيا وقبل القيامة في الآخرة. وأمّا الأدلة الشرعية فكقوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ..)(3). وما رُوي عن عمرو بن أبي المقدام قال: مررتُ مع أبي جعفر (عليه السلام) بالبقيع، فمررنا بقبر رجلٍ من أهل الكوفة من الشيعة، قال: فوقف عليه (عليه السلام) فقال: «اللهم ارحم غربته، وصِل وحدته، وآنس وحشته، واسكن إليه من رحمتك ما يستغني بها عن رحمة من سواك، وألحقه بمن كان يتولّاه»(4)، ورُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): زوروا موتاكم فإنّهم يفرحون بزيارتكم، وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه وعند قبر أمه بما يدعو لهما».(5) ولم تقتصر الأدلّة الشرعية على إثبات وجود عالم البرزخ، بل أرشدت إلى بعض الأعمال التي تكون سبباً في سعادة الإنسان أو شقائه؛ منها ما رُوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَنْ قوّى مسكيناً في دينه، ضعيفاً في معرفته على ناصبٍ مخالف فأفحمه، لقّنه الله تعالى يوم يُدلى في قبره أن يقول: الله ربّي، ومحمّد نبيي، وعليّ وليي، والكعبة قبلتي، والقرآن بهجتي وعدّتي، والمؤمنون إخواني، فيقول الله: أدليت بالحجّة فوجبت لك أعالي درجات الجنة، فعند ذلك يتحوّل عليه قبره أنزه رياض الجنة»(6)، وأيضاً رُوي عنه (عليه السلام) أنه قال: «عذاب القبر يكون من النميمة والبول وعزب الرجل عن أهله».(7) ولقد حظي هذا العالم باهتمام خاتم الأديان؛ لما له من تأثير بالغ في حياة الإنسان، إذ بمجرّد تفكيره أنّ ثمّة عالماً لابدّ أن يمر به مستحضراً الصور التي رسمتها الأدلة الشرعية عنه كفيلٌ بحمله على التمسّك بسبيل الخير والإحسان والنأي عن متاهات الشر والعصيان. ولعالم البرزخ أحكامٌ منها أنّ رصيد الإنسان من الحسنات أو السيئات معرّضٌ للزيادة أو النقصان فيه وفقاً لطبيعة بعض أعماله، فقد رُوي عنه (صلى الله عليه وآله): «مَنْ سنّ في الإسلام سنةً حسنةً فعُمِل بها بعده، كتب له مثل أجر مَنْ عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومَنْ سنّ في الإسلام سنةً سيئةً فعُمِل بها بعده، كتب عليه مثل وزر مَنْ عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء»(8)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «ستة تلحق المؤمن بعد وفاته ولد يستغفر له، ومصحف يخلفه، وغرس يغرسه، وقليب(9) يحفره، وصدقة يجريها، وسنة يؤخذ بها من بعده»(10)، ومن أحكامه أيضاً: أن لا شفاعة فيه لما رُوي عنه (عليه السلام): «والله ما أخاف عليكم إلّا البرزخ, فأمّا إذا صار الأمر إلينا, فنحن أولى بكم».(11) ................................... (1) لسان العرب: ج3، ص8. (2) انظر تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل: ج10، ص511. (3) (آل عمران: 169، 170). (4) الكافي: ج3، ص229. (5) الكافي: ج3، ص230. (6) الاحتجاج: ج1، ص11. (7) علل الشرائع ج1ص421. (8) الكافي ج3 ص86. (9) البئر/ لسان العرب: ج5، ص135. (10) شرح أصول الكافي ج8 ص6. (11) تفسير القمي: ج2، ص94.