حِرمَانُ البَنَاتِ مِن الإرثِ امتِدَادٌ لحِرمانِ السيّدةِ الزَّهراءِ (عليها السلام) مِن فَدَك
ميراث المرأة من أبيها نظام لم تعرفه المرأة قبل الإسلام، فمن المعروف أن المرأة في الجاهلية لم تتمتّع بهذه الميزة، وكانت في بعض القبائل في ضمن الميراث، فتنتقل من الأب المتوفى إلى الابن باعتباره الوريث، وحينما سطع نور الإسلام على العالم أعطى للأنثى حقاً في ميراث أبيها بعدما كان الأب يقوم بوأدها فيقتلها وهي على قيد الحياة، فانتزع الإسلام من قلب الرجل شعوره بالخزي؛ لأنه بَشّر بالأنثى، وأصبحت لها ملكية في مال أبيها بعد وفاته، فكانت آية التوريث: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)/ (النساء:11) ثورة في عالم الجاهلية، ونعمة لم تعرفها المرأة من قبل، والمفارقة أنّ الإسلام الذي أنصف المرأة بالميراث، وأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) هو المبلغ عن آية التوريث فعلى الرغم من ذلك كانت ابنته الزهراء (عليها السلام) محرومة من إرثها في أبيها بعد وفاته؛ لأن القوم احتجّوا عليها بحجّة (نحن معاشر الأنبياء لا نورّث وما تركناه صدقة) وهذا حديث مزعوم حسب ما ورد في تفسير الأمثل؛ لأنه يخالف الكتاب والسنة، وكان ردّ الزهراء (عليها السلام) عنيفاً، ولم تكن متخاذلة في طلب حقّها، وأبدعت في حجتها، فقالت (عليها السلام): "... أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا)/ (مريم:27)"(1)، وخطبت خطبتها المشهورة في المسجد النبوي، ولكن طمع القوم في فدك جعلهم يستحلّون حقّ الزهراء (عليها السلام)، وعلى الرغم من استياء أكثر المسلمين لهذه الحادثة المؤلمة، لكنهم وللأسف الشديد يحرمون بناتهم من الإرث في ما لهم بحجة أن الولد هو الذي يحمل اسم العائلة. والمال الذي بحوزة المرأة ينتقل إلى يد غريبة ألا وهو يد الزوج؛ ليتم تقسيم الإرث بين الذكور، وتُحرم الإناث بحجة أن الأب المتوفى أوصى بذلك، وعلى الرغم من محاربة هذه الظاهرة من قِبل الشرع والقانون إلا أنها بقيت راسخة في أذهان شريحة كبيرة من العوائل، ولمعرفة رأي الشرع في هذا الموضوع كان لنا لقاء مع فضيلة الشيخ (عادل الوكيل/ معاون رئيس قسم الشؤون الدينية في العتبة العباسية المقدسة) فأجابنا مشكوراً: ما رأي الشارع المقدس في عمل بعض العوائل التي تقوم بتقسيم الإرث بين الأبناء، وحرمان بناتهم بحجة أن المال سيذهب إلى يد غريبة ألّا وهو الزوج؟ إنّ التشريع أمر إلهي، ويجب على الفرد الامتثال لأوامر الباري، ولا يحقّ للبشر أن يكون له تشريع من ذاته مقابل تشريع المولى(عز وجل)، وسبحانه لا يشرع شيئاً إلّا وهو العالم بمصلحته للإنسان، ولا يحرم شيئاً إلّا وفيه مضرة له، فلا يحقّ حرمان البنات من الإرث بعد وفاة الوالد بهذه الحجة ألا وهي وصول المال بيد الزوج، وفي الحقيقة نقابل كثيراً من النساء اللاتي تعاني من هذه الحالة، وهي حرمانهم من ميراث والدهم، وتحدث هذه الحالة خاصة في توزيع الأراضي الزراعية بحجة أن الوالد أوصى بذلك، وفي الحقيقة هذه الوصية فيها بعض الحيثيات لما بها من غبن لحق الإناث، ويحقّ للنساء المتضررات اللجوء إلى الحاكم الشرعي، وعرض المسألة عليه ليبتّ فيها. وأمّا عن رأي القانون توجهنّا ببعض الأسئلة إلى المحامية شيماء رزاق حميد الدهش، فأجابت مشكورة: ما هي الإجراءات التي تلجأ إليها المرأة عند اغتصاب حقّها في الإرث؟ إنّ القانون العراقي نص في المادة (294) من قانون العقوبات المرقم (111) لسنة 1969م (يُعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كلّ مَن قرر أمام السلطة المختصة في إجراءات تتعلق بتحقيق الوفاة أو الوراثة أقوالاً غير صحيحة عن الوقائع المراد إثباتها متى صدرت على أساس هذه الأقوال ويعدّ تزويراً بالمحرّرات الرسمية فتلجأ المرأة إلى المحكمة؛ لإثبات حقّها بالميراث عن طريق أوراقها الرسمية). بعض الأشخاص يسيطرون على الإرث لمدة طويلة، هل يمكن للمتضررين اللجوء إلى القانون؟ نعم، يلجأ المتضرّرون إلى محكمة بداءة موقع الإرث؛ لإزالة شيوع العقار بالتقسيم إن كان قابلاً للتقسيم أو البيع، ويتم توزيع الإرث بحسب القانون العراقي وبحسب الشريعة الإسلامية (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)/ (النساء:11). التقينا ببعض الورثة، فكانت لهم آراء مختلفة، فتقول الأخت (أم دعاء): نحن ثلاث بنات وسبعة ذكور، كانت وصية والدي: أن يكون الإرث للأبناء، وتُحرم البنات من الميراث، وكانت الوصية صدمة لي ولأخواتي، فأنا أعيش في بيت إيجار وليس لي أي ملك آخر. أمّا الأخت (و – هـ) فكانت معاناتها لا تقلّ عن الأخت أم دعاء، إذ قالت: إنّ أهل زوجي من عائلة ذات حسب ونسب، وتدّعي الإيمان، وبعد وفاة والد زوجي سكنوا إخوته في البيت وحرموا زوجي وبقية البنات من بيعه والاستفادة من الميراث لسنوات طويلة امتدت أكثر من خمسة عشر عاماً، وما يزالون يسكنون من غير تعويض لنا أو إعطاء إيجار، ويدّعون عدم إمكانيتهم السكن بالإيجار، وأحدهم أدخل ابنته في كلية أهلية تتجاوز كلفة السنة الواحدة (9) ملايين دينار، فأين العدل والإيمان في ذلك؟ (إن الميراث نعمة وليس نقمة) الأخ أبو حوراء/ موظف في مصفى الدورة: إنّ والدتي ما تزال على قيد الحياة، ولكنها تسامحت معنا وعن طيب خاطر سمحت ببيع بيت والدي، وانتقلت هي إلى بيت أخي الكبير، فكانت خير معين لنا في الصغر والكبر، وقد وزّعنا الميراث بحسب الشرع، وأعطينا لأخواتنا حصصهم الشرعية، فالميراث نعمة وليس نقمة. لقد كرّم الإسلام النساء وأعطاهنّ حق الشراكة التامة في أموال الأرث من الآباء واعتبر الرابطة التي بين البنت والأب ضمن عمود النسب الذي أقرّه القرآن الكريم في تقسيم المال من الإرث وعليه يجب أن تكون نظرة المجتمع إليها نظرة إيجابية لا سلبية كأنها إنسان عديم الفائدة وتابع من توابع الطبيعة. فلقد كرّم فاطر السموات والأرض المرأة وانتشلها من حياة البؤس والشقاء التي كانت تعيشها في الجاهلية إلى الكرامة والعفة فهي كما وصفها الإمام عليj حيث قال: "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة"(2) فالمرأة لها حقوق وواجبات في بيت أبيها تنعم بالدفء والحنان من قبلهِ بعد ما كان يُسارع في الماضي إلى قتلها وأصبح لها حق معلوم في إرثه بعد موته فعلينا كمسلمين أن لا نعيد غصة الزهراءh في حرمانها من ارثها في أموال أبيها (فدك) فحق البنات مكفول من الباري فلا يمكن تجاوزه. ............................ (1) فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد: ص302. (2) ميزان الحكمة: ج9, ص231