شَبَحُ الفَشَل

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 214

الفشل تلك الكلمة المريعة والمخيفة، وهي الوصمة التي عندما تلتصق بشخص ما فإنها لا تبارحه حتى تُرديه وتطرح كلّ ما فيه من حيوية وطموح أرضاً، لينبريَ جسداً يتحرك بين الناس بلا روح ولا عُنفوان، مجرد خيالٍ لبقايا إنسان. لنتأمل كلّ ما يُشاع عن هذه الكلمة، ونضع تلك الحروف على المحك، فهل يا تُرى تقبع بين طياتها كلّ تلك المساوئ؟ وهل ما يحدث من تردّدات واهتزازات لمَن يصفونه بها هو من أصل تلك الكلمة، أم أنّ هناك ما هو مخفي ومُغيّب عنّا؟ عند تأمل كلمة فشل، أوصفة فاشل وتقصي المعنى الحقيقي لها نجدها تعني وبكلّ بساطة التراخي، والكسل أو ذهاب القوة، وإنما يأتي التراخي بعد العمل الشديد أو المحاولة للوصول إلى شيء ما، وذهاب القوة أيضاً يشير إلى وجود القوة أصلاً، إذاً هذا الإنسان قد بذل ما يستطيع من أجل الوصول إلى مبتغاه، وقدّم كلّ ما هو في حدود إمكاناته المتاحة، وحينها وصل إلى مرحلة التراخي، وهذا بحد ذاته نجاح له، إذ إنه قد بادر وعمل بجد، وكما يُقال دائماً فإنّ الفشل هو أول خطوات النجاح؛ وذلك لأنه يفتح لنا الأبواب لمعرفة طرائق جديدة وخيارات عديدة، وفي كلّ مرحلة يشعر بها الإنسان بالفشل يكتشف طريقاً غير سالك وسيقوم بتحذير مَن حوله كي لا يقعوا فيه، كما أنه في كلّ خطوة غير موفقة بالنسبة إلى من يراه، يكون قد ارتفع رصيده من النقاط التي تزيد من فرص النجاح لديه. أمّا بالنسبة إلى الجانب الآخر من التفكير التي تخيّم عليه النظرة السوداوية القاتمة، فهو لا يرى سوى الجانب الفارغ من الكأس، ويتسربل في غيابة جبّ اليأس من كلّ ما هو خير حوله، ويُسرع إلى تفسير كلّ ما يحدث ويقيس بالموازين الأرضية البحتة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، فيرى أنّ الفشل هو نهاية العالم، وأنّ المحاولة التي قام بها وأخفق هي دليل على عدم وجود أي نقطة إيجابية يمكن له أن يعتمد عليها لتقويم الطريق، إذ إنه لا يرى طريقاً آخر من الأساس، فأمّا النجاح أو النهاية، ويقوم برمي الآخرين بالاتهامات بأنهم لا يريدون له الخير أو أنّ هناك مَن يحوك له المؤامرات، وفي النهاية لا يقوم بفعل أيّ شيء جديد ليحسّن من وضعه، على حين أنه لو قاس بالموازين السماوية لوجد الراحة تدبّ في جميع أرجاء نفسه، وتصبح روحه هانئة هادئة، فكما قال (عزّ وجل): (أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)/ (الرعد:28)، ولأيقن عندها أنّ كلّ ما يحدث هو خير. ومَن يسمح لأفكاره أن تسقط بين براثن اليأس سيتابع الخُطى نحو مصير مؤلم لا يعرف نهايته إلى أين، كما قال (عزّ وجل): (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)/ (الحجر:56) والقنوط أشدّ مرحلة لليأس، وعليه يجب علينا أن نستشعر أهمية استثمار كلّ مرحلة نمرّ بها في حياتنا، فكلّ إخفاق هو درس مجاني لنا نأخذ منه العِبَر، فلا نقف على أعتابه ونبدأ بإلقاء اللوم على كلّ شيء، بل نجعله يدفعنا إلى الأمام بصورة أقوى من السابق، ونكون كالسيل العارم من الإيجابية التي لا يحدّها حدّ لنصل بقوة إلى أهدافنا السامية بعون الله تعالى.