رياض الزهراء العدد 145 لنرتقي سلم الكمال
حُرمَةُ المُؤْمِن
معنى الحرمة: ما لا يحلّ انتهاكه. رُوي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نظر إلى الكعبة فقال: «مرحباً بالبيت، ما أعظمك وأعظم حرمتك على الله! والله للمؤمن أعظم حرمة منك لأن الله حرم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثة: ماله، ودمه، وأن يظن به ظن السوء».(1) إنّ تربية نفوس البشر هي الهدف الأول من بعثة الأنبياء (عليهم السلام)، فيتضح من هذا الحديث أنه كما لا يُقبل بأن تنتهك حرمة الكعبة، كذلك لا يُقبل بأن تنتهك حرمة أخيك المؤمن، لا بغيبة ولا ببهتان ولا بكذب ولا بافتراء ولا ما شاكل ذلك، وسواء كان ذلك المؤمن عربياً أو أعجمياً، أبيضَ أو أسودَ، حرّاً أو عبداً، ذكراً أو أنثى. لقد جعل الله تعالى للمؤمن حرمةً؛ عظيمةً؛ كرامة لإيمانه ولكلمة التوحيد التي نطق بها فميزته عن الكافرين، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)/ (الأحزاب:58). واليوم نرى تفشي مرض التسقيط والتشهير والفوضى بالنيل من الآخرين وإسقاط قيمتهم الاجتماعية بين الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويا للأسف تضاعفت القابلية على تصديق الإشاعات والأكاذيب بين المسلمين، فعندما يعجز العدو عن إلحاق الضرر بنا بصورة مباشرة يقوم بنشر الشائعات، وهي من الأسلحة المخرّبة المستعملة ضدّ الصالحين والطيبين؛ لعزلهم وإقصاء الناس عنهم. قال تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ)/ (النور:15)، تشير هذه الآية إلى تقبل الشائعة وتناقلتها من دون أيّ تحقيق أو علم بصدقها، وعدِّها وسيلة للهو وقضاء الوقت. إنّ استصغار الشائعة ونشرها بكلّ يسر يعني أنك أصبحت آلة بيد المنافقين والمتآمرين، وهذه ظاهرة خطيرة علينا الالتفات إليها، فلا ننساق وراء كلّ ما يُنشر، رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الإيمان من قلبه كما ينماث(2) الملح في الماء».(3) لقد حرص الإسلام على أن يعزّز تماسك المجتمع المؤمن فيكون كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً. وهذا التسقيط يعدّ من الظواهر الاجتماعية التي تهدّد السلم الاجتماعي، فمَن أراد التكامل فليتقِ الله (عزّ وجل) في حرمة أخيه المؤمن. ................................... (1) ميزان الحكمة: ج1، ص205. (2) انماث: اختلط وذاب/ معجم الوسيط: ج2، ص703. (3) ميزان الحكمة: ج1، ص336.