عَمَلُ المَرْأةِ

قال تعالى: (لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير)/ (القصص:23) بعد أن دخل بطل التوحيد إلى مدين وجد مجموعة من الرجال الأشداء يتزاحمون فيما بينهم كلّ واحد منهم يُحاول أن يسقي أنعامه وأغنامه قبل الآخر، ثم وجد وعلى جهة منعزلة عن هذا المشهد ابنتين عفيفتين تذودان بنفسيهما عن الاختلاط وتذودان أغنامهما عن الضياع، ولغرابة الموقف وحراجته جاء إليهما ليستفهم عن سبب خروجهما ووقوفهما في معزلٍ، وعدم سقيهما الأغنام ثم الانسحاب؟ فقال: ما خطبكما؟ فقالتا له: لا نسقي الأغنام ولا نختلط بالرجال الأجانب إلّا بعد أن يصدر جميع الرعاء، ونحن هكذا كلّ يوم نخرج للعمل ونجلس هنا من الصباح حتى ينصرف الجميع ثم نستقي الماء، وكان من حق هذا الشاب أن يقول: ولماذا أنتم تقومون بهذا العمل، أليس عندكم أب، أليس عندكم أخ؟ ولكن الفطنة والذكاء لم تمهل هذا الشاب أن يسأل حتى قلن له: لا تستغرب ونحن بنات ضعيفات ونقوم بهذا العمل الشاق فما خروجنا إلّا للضرورة، فأبونا شيخ كبير لا يقوى على هذا العمل وليس عندنا رجل يتولّى هذه المهمّة. فهنا طفحت غيرته وأزاح الرجال واستقى الماء لهنّ ثم آوى إلى الظل، قال تعالى: (..ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)/ (القصص:24). فسلام على مَنْ اصطنعه الله تعالى لنفسه، واختصه كليماً دون بريّته.