ثُلَاثِيَّاتُ القَصَصِ القُرْآنِيِّ

عبير عباس المنظور/ البصرة
عدد المشاهدات : 205

للبناء القصصي في القرآن الكريم عناصر ومحاور ولطائف ودلالات وأسرار لا يعلمها إلّا الله(عزوجل) والراسخون في العلم، وسنحاول سبر أغوار بعض القصص ونستخرج من نفائسها بعض اللطائف الدلالية بما يتناسب مع البناء الفني لكلّ قصة، وعناصر البناء القصصي في القرآن ككل القصص الأدبية يتكوّن من أحداث وشخصيات وزمان ومكان وعقدة وحل، إلّا أنّ بعض القصَص القُرآني له دلالة أو محور يستقطب الأحداث والشخصيات حوله بشكلٍ لافتٍ للنظر، ويختلف باختلاف القصة وله دلالات عديدة وتأثيرات كبيرة في مجريات الأحداث من بداية القصة إلى نهايتها ويؤثر في عقدة الحكاية والحل، ويتكرر هذا المحور حسب استقرائي البسيط ثلاث مرات في بعض القصص منها: قصّة النبيّ يوسف(عليه السلام) وقد وصفها القران بأنها أحسن القصص، ومحور هذه القصة هو (القميص) الذي تكرر في ثلاثة أحداث مهمة على مدد زمنية مختلفة من حياة النبيّ يوسف(عليه السلام) وقد لعب دوراً مهماً في أحداث القصة: في طفولة يوسف (عليه السلام) حيث اتخذ إخوته من قميصه الملطّخ بالدم وسيلة لأبعاد يوسف عن أبيه يعقوب(عليه السلام) ورغم أنّ حيلتهم لم تنطلِ على النبيّ يعقوب(عليه السلام) إلّا أنّ النتيجة كانت إبعاد يوسف عن أبيه وبيعه عبداً ليصل بعدها إلى مصر، وهناك تبدأ المرحلة الثانية من قصّة يوسف مع أحداث وشخصيات جديدة. في شباب يوسف(عليه السلام) إذ راودت امرأة العزيز يوسف(عليه السلام) عن نفسه في قصّة مفصّلة وكان القميص سبباً في إظهار براءة يوسف(عليه السلام) ورغم ذلك دخل يوسف السجن دون ذنب لتبدأ مرحلة أخرى في هذه القصّة مع أحداث وشخصيات تؤثّر في سير الأحداث مستقبلاً وهنا بدأت عقدة القصة. الظهور الأخير لمحور القميص في قصّة يوسف(عليه السلام) حينما أعاد قميصه البصر للنبيّ يعقوب(عليه السلام) وجمعه بابنه بعد فراق دام عقود، وبه خُتمت الأحداث الرئيسة للقصة. قصة آل عمران(عليهم السلام) ومحور هذه القصة الذي تكرر ثلاث مرات أيضاً يتمثّل في حصولهم على الذرية بالمعجزة، وتمهيد هذه الذرية للحجّة على الخلق من بعده، وفي كلّ مرة أثّر هذا المحور على قصة أحد من آل عمران وعلى سير الأحداث في ثلاث قصص متداخلة مع بعض تداخلاً بنائياً رائعاً. امرأة عمران وحصل الإعجاز في أنها رُزقت بمريم(عليها السلام) على كبر سنّها واستهزاء الناس بنبوّة عمران، وتتضح أهمية ولادة مريم(عليها السلام) في ظل هذا الظرف الحرج لزيادة إيمان الناس بآل عمران ولتهيئة النفوس لتقبّل دعوة النبيّ زكريا(عليه السلام) الذي جوبه بالرفض من علماء بني إسرائيل أيضاً وأحبارهم. زكريا (عليه السلام) والإعجاز الثاني في طلب الذرية حصل مع زكريا(عليه السلام) الذي بلغ من الكبر عتياً وكانت امرأته عاقراً ورزقه الله(عزوجل) بالنبيّ يحيى(عليه السلام)، بعد أن شاهد دلائل الرحمة الإلهية التي شملت السيّدة مريم(عليها السلام)، وولادة النبيّ يحيى(عليه السلام) أيضاً لها من الأهمية الكبيرة في إثبات دعوة أبيه زكريا(عليه السلام) في المجتمع اليهودي، وكذلك لتمهيد الطريق أمام نبوة عيسى(عليه السلام) وتثبيت دعائم رسالته. مريم (عليها السلام) وهو الإعجاز الثالث الفريد من نوعه في هذه القصة وهو ولادة عيسى(عليه السلام) من غير أب وجعله آية للناس بتكلّمه في المهد صبياً وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، ومبشراً برسول من بعده اسمه أحمد، ورفعه الله تعالى إليه في ملكوته ليعيده إلى الأرض ليمهِّد الطريق نحو تحقيق العدل الإلهي في آخر الزمان ويصلّي خلف الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ومعاً يملآن الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.