رياض الزهراء العدد 146 تنمية البشرية
قُلْ كَيْفَ... وَلَا تَقُلْ لِمَاذَا؟
يا لهذا الوضع الكئيب، لماذا يجب عليّ أن أتحمّل كلّ هذا؟ لماذا يمتلك منزلاً أفضل ممّا لديّ؟ لماذا لديه سيارة فارهة؟ لماذا أصبح لديه الأولاد وأنا لدي فقط البنات؟ الكثير والكثير من الأسئلة المشابهة لما ورد سابقاً والتي تجعل عواصف التشاؤم وعدم الرضا تقتلع كلّ شعور بالهدوء النفسي من بين أرجائنا، وتتلبّد السماء بغيوم الكراهية لكلّ ما حولنا، فتمطر مشاعراً سلبية من حسد وغيرة وما يرافقها من اعتصار للقلب عند رؤية كلّ حدث جيد للآخرين. (لماذا) خمسة أحرف فقط.. تقلب كيان الإنسان رأساً على عقب إن أساء استخدامها، وإن فكّر بها على النحو التالي من اللوم المستمر للنفس على كلّ فعل مهما كان، إذ تتشكّل غشاوة على العيون فلا يرى إلّا كلّ سيِّئ ولا يعير أي اهتمام للنقاط المضيئة في الحياة، كما أنه لا يقتصر على لوم نفسه، بل يلوم كلّ ما حوله من أشخاص، ظروف، الشوارع ويتعدّاه إلى لوم الطقس المحيط بالمكان. ويُصاحب هذا الشعور أمر آخر يُشكّل امتزاجه معه نقطةً سلبيةً في حياة الإنسان ألا وهو المقارنة التي لا يرغب بها أحد، فمَنْ منّا يقبل أن يُقارن بين أفعاله وكلماته وسلوكه وبين أي شخص آخر، وربّما هي من أشدّ ما يجلب الانزعاج، إذ تصل به المرحلة لأن يكره مَنْ تمّت مقارنته به. عندما يضع أي إنسان نفسه وسط دائرة من المقارنة واللوم السلبي وتوجيه كلّ صنوف الانتقاد لتلك النفس التي بين جنبيه، يكون قد أعلن عن بداية النهاية لتلك الفطرة السليمة التي خلقه الله سبحانه عليها من حب الخير والسعادة للجميع، وأغمض عينيه بيديه لا بيدي غيره وعندها سيقف بمكانه ولن يتقدّم قيد أنملة، حينها ستغادره كلّ فراشات جمال الروح وتستوطن بدلاً عنها غربان الكراهية السوداء. لذلك ولكي لا يقع أحد بين هذه البراثن المقيتة، لنسأل أنفسنا كيف وصل ذاك الشخص إلى النجاح؟ ما هو الطريق الذي سلكه؟ فما هو ممكن لغيري ممكن لي، بشرط أن أعرف الآليات المناسبة للوصول وأتوكّل على الله السميع العليم بكلّ خطوة من خطواتي، ومن أهمّ ما يمنحني القوة والإرادة للمضي قدماً هو أن اكلّل حياتي بوصية الإمام عليّ(عليه السلام) لولده الحسن(عليه السلام): "يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، وأكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلم، وأحسن كما تحب أن يُحسن إليك"(1)، هذه الوصية هي دستور للحياة فهي تجعل حب الخير مقدّماً لكلّ فعل نقوم به، فنجاح المجموعة هو نجاح للفرد الواحد وكما قال رسولنا الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم): "لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه"(2)، وعليه سيمتلئ القلب شعوراً بالراحة عند رؤية السعادة لدى الآخرين ويطرد منه كلّ سلبية قبل أن تأخذ بالانتشار. ......................................... (1) نهج البلاغة: ج3، ص45. (2) المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء: ج3، 404.