أضْيَقُ مَا يَكُونُ الحَرَجُ أقْرَبُ مَا يَكُوُنُ الفَرَجُ
ألقت التحيّة لم تلقِ ردّاً، سألت لم تجد جواباً، بشيءٍ من الألم وكثير من الاستغراب قدّمت أم حسين الظن الحسن إزاء تصرّف أم جواد وبصوتها العذب عاودت سؤالها لأم جواد، ما الأمر؟ أمّ جواد: لقد تعبت (بنبرة حزينة يائسة) هل صحيح أنّ المصائب لا تأتي فرادى، هل ينقضي العمر هكذا تعب، نكد، هل يكون الموت هو الخلاص؟ أمّ حسين: مهلاً مهلاً يا أم جواد لا ينبغي لكِ وأنتِ المؤمنة أن تقولي مثل هذا الكلام. أمّ جواد: اللهم لا اعتراض على أمرك ولكني بشر وطاقتي محدودة. أمّ حسين: هلمي بنا إلى مجلسنا لنكمل الحديث مع أخواتنا الطيّبات. أمّ جواد: أخشى أن أجعل الجوَّ كئيباً نكداً كحالي. أمّ حسين: حبيبتي لا تقولي هذا الكلام، فحق الأخوّة يفرض علينا أن نتقاسم الأحزان كما نتشارك في الأفراح. (دخلت أم حسين تتبعها أم جواد وما أن بدأتا بالسلام حتى توالت الأسئلة عليهما) أمّ حسين (مازحة): اتقينَ الله يا مؤمنات، دعونا نجلس أولاً. أمّ عليّ: حسناً لقد تأخّرتما فقلقنا عليكما. أمّ زهراء: لا يبدو على وجه أم جواد الارتياح، خيراً إن شاء الله تعالى. (أمّ جواد صامتة). أمّ حسين: أختنا أم جواد تمر بظرف صعب أنها.. أمّ جواد مقاطعة: (قولي ظروف، ثم متى كانت حياتي سهلة هادئة). أمّ عليّ: ما الذي اسمعه منكِ!، هل يجب أن تكون كلّ الأمور على ما يرام هذا محال. أمّ جعفر: حقاً (لا راحة في الدنيا). أمّ زهراء: حبيبتي أوليست الدنيا دار الاختبار والتمحيص. أم جواد: لكن توالي المصاعب والشدائد أمر ليس من السهل تحمّله. أم عليّ: هذا صحيح ولكن بالمقابل فإنّ الله تعالى أعد للصابرين المتوكِّلين أجراً عظيماً لا يُقاس بأي تعب نتحمّله. أم جواد: أعلم أنّ الله(عزوجل) أكرم وأرحم ولكن لكلّ منّا طاقة تحمّل، أو ربّما أكون ضعيفة. أم عليّ: أنتِ لست ضعيفة. أم جعفر: لتوالي البلاء جوانب إيجابية منها إنها تجعلنا إلى الله(عزوجل) أقرب بكثرة الدعاء، والمناجاة، والشعور بالحاجة إليه في كلّ تفاصيل حياتنا، وهذا من مقامات العبودية لله تعالى. أم زهراء: أحسنتم، كذلك أنّ البلاء رغم ما يسبب من ألم ومرارة فأنه يمنحنا خبرة في التعامل مع المصاعب والشدائد وبذلك نكون أكثر قوّة. أم عليّ: والأعظم عطاءً هو ما أعدّه الله(عزوجل) من الثواب الجزيل لمن صبر وأحتسب. أم زهراء: نعم؛ لأنّ الله تعالى إذا أحب عبداً محّصه بالبلاء. أم حسين: ومع ذلك فإنه لابدّ من أن يكون مع العسر يسر هكذا وعد الله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)/ (الشرح:5، 6). أم جعفر: أم غابت عنكِ قدرته تعالى على كشف الكرب، وتغيير مجرى الأحداث بلا أسباب ربّما لا يستوعبه حتى خيالنا. أم عليّ: كما ورد عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه(عليه السلام): "..وأنّ الفرج مع الكرب..".(1) أم جواد: اللهم امنحنا الصبر والتوكّل عليك. أم عليّ: أحسنتِ حبيبتي أكثري من الدعاء وطلب العون منه تعالى، والآن دعينا نتهيّأ فقد اقترب وقت الصلاة، قطع رنين هاتف أم جواد الحديث ومع صوت الله أكبر أغلقت أم جواد الهاتف وقد انفرجت أسارير وجهها وترقرقت دمعة في عينها الله أكبر كبيراً عظيماً، وجّهت نظرها إلى الثلّة الطيّبة (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا). ..................................... (1) الوافي: ج26، ص161.