رِسَالَةُ يَتِيْمٍ

زينب عبد الله العارضيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 322

عندما يعتلي الأنين، ويفيض الشوق والحنين، أمسك ورقتي؛ لأسطّر لكَ على خطوطها رسالتي، وأناديكَ بكلماتي، اشتقتُ إليكَ يا أبتِ، وها أنا في ذكراك السنوية اكتب إليكَ يا والدي، وملهمي وقائدي، فتقبّل منِّي رسالة يتيم. أبي الحبيب: مع ذكرى رحيلكَ أزفُّ إليكَ أخبارنا السعيدة، فلقد تحررت الأرض، ورحل الأعداء الأشقياء، يجرّون أذيال الخيبة والخسران، وارتفع من جديد في مدينتنا صوت الأذان، وفُتِحت أبواب المدارس وابتسم الأطفال، وعاد لنا كما كنتَ تحلم السلام والأمان، وأنا سعيد بتحقق أمنياتكَ، فقد جاءت بالثمار الجنية كلّ تضحياتك. سعيد؛ لأنك بعت حياتك كي تشتري الأمن والسلام للضعفاء، كي يصان العرض وترتفع الرؤوس عزّاً وكبرياء. سعيد؛ لأنني زرتك اليوم في رياض الشهداء، هناك رأيتك ترقد بسلام مع رفاقك الأوفياء، وشعرتُ بأرواحكم تُسافر كأسراب الحمام المهاجرة، بكلّ شغف نحو العلياء. اعلم يا أبتِ أنني وكلّ مَنْ يقف على قبوركم النوراء، يُزرع في داخله الشوق للتضحية والفداء، فأنوار بطولاتكم تُضيء لنا الطريق للارتقاء، ووهج كلماتكم ووصاياكم ما زالت ترن في مسامعنا لتعطِّر الأجواء، فتحثّنا وتدفعنا كي نسمو بالاستضاءة بها نحو عوالم النور والضياء. أمّا الخبر الثاني الذي أردت أن أزفّه إليكَ أيّها العزيز، فهو خبر نجاحي في الامتحان، لقد أتيتُ بوثيقة تخرّجي من الابتدائية؛ لأريك إيّاها كما كنتُ أفعل في كلّ مرة، ولكنني أشعر بالخجل منكَ يا أبتِ؛ فدرجاتكَ أعلى وشهادة تخرّجك أعظم، فقد سجّلتَ بالدم القاني إجابتكَ عن كلّ الأسئلة، ورحلتَ صادقاً وفيّاً، وفزتَ بأعلى منزلة، وها أنتَ مع كلّ فجر تشرق؛ لتزرع في روحي أزهار الولاء، فيخضر على يديكَ الحلم ويتفتّح البرعم، وينمو الأمل بأنّ القادم أجمل. أبتِ الحبيب: لقد وقفتُ مع أصدقائي في وادي السلام عند رياضكم، وبلّلنا بالدمع حبّات ترابكم، همسنا بأرواحنا وقلنا لكم: دعونا نقتبس ألقاً من دمائكم، ونقتاتُ من خبز حكاياتكم؛ علّنا نوفّق للسير على نهجكم، ونسعى بكلّ وفاء لإكمال مسيرتكم. مكثنا عند مشاهدكم لساعات، كانت أجمل من كلّ أيامنا دونكم، ثم اضطررنا إلى الرجوع إلى بيوتنا التي تغمرها رائحتكم، وصدى ضحكاتكم، وتنبض كلّ زاوية منها بأعطر ذكرياتكم. وقبل الوداع، وضعتُ يدي على قبركَ، وأسندتُ خدّي على صورتكَ، وقلتُ لكَ وداعاً أيّها الحبيب، وعهداً أن أكمل المسير حتى الرمق الأخير. ولدُكَ الصغير..