رياض الزهراء العدد 146 لحياة أفضل
إنَّهُمُ مَسْؤولُونَ
بات من المؤكّد لدى الجميع خطورة ما تعرضه بعض القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي من برامج وأفلام لا تُسيء إلى أخلاق الفرد المسلم فحسب، بل تعدّى ذلك إلى المساس بعقيدته بوجود الله تعالى ووحدانيته، أو حتى بمدى انتمائه إلى الإسلام كدين حنيف مبني على السلام والتسامح ونبذ العنف والتطرّف، خاصة إذا كان المتلقّي بعمر لا يُؤمن عليه من الغايات الدنيئة التي تبثّها تلك القنوات، ممّا يؤدي إلى بث الشك في نفوس هذه الشريحة الفتية من الأطفال والمراهقين وعقولهم التي لم تصقلها تجارب الحياة بعد، فيُخشى عليهم من الانجراف مع تيارات هذه الشبهات والأفكار المنحرفة. إنه حدث مرّ بي شخصياً فقد فاجأتني بتعليقها تلك الفتاة ذات الثماني سنوات، عندما كنتُ أشرح درس العقائد لطالبات المدارس في الدورات الصيفية، وكيف أنّ الله تعالى واحد لا شريك له وما هذه الأصنام إلّا إشراك بالله(عزوجل)، ووسائط صمّاء صنعها الإنسان الجاهل بيديه لاعن وعي منه بخالقه، وانصياعاً لنفسه الأمّارة بالسوء، وشبَّهتُ للطالبات بعض المشاهد التي نراها في الأفلام وكيف يلتجأ الناس إلى هذه الأصنام لطلب العون ويقدّمون لها القرابين لتسهيل قضاء حوائجهم وجعلها وسيلة بينهم وبين الله(عزوجل)، فصُدمتُ من قول هذه الفتاة: (نعم ست إنّها تعطي المراد لمن يطلب منها)، أدركت واقعاً مدى ميل هذه العقول البريئة لهذه الأفكار السامة والصور التي تزيّن هذه الأفعال، بحيث تجعلها أمراً طبيعياً، فسألتها لأصحح فكرتها والكلام موجّه لجميع الطالبات، لو إنكِ أمسكتِ هذا الصنم الملوّن ثم أفلتيه من يديكِ ماذا كان ليحصل؟ قالت بسرعة وبجواب الفطرة السليمة: (ست سينكسر)، فقلتُ لها: إذن كيف يُعطي المراد مَنْ لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً؟ إنها مهمة خطيرة تحتاج إلى تكاتف الجميع دون استثناء، وكلّ حسب مقدرته وموقعه لصد تلك الهجمات التشكيلية استناداً لقول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): "ألا كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته.."(1) فمع شيء من المراقبة المستمرّة والمعتدلة للأبناء، وكذلك زجّهم في الدورات الحوزوية التي تقيمها العتبات المقدّسة والجهات الموثوق فيها، وإشراكهم في الأنشطة الرياضية الترفيهية والمسابقات الثقافية وبعون الله تعالى ستثمر هذه الجهود المباركة. ربّما تستطيع العائلة الواحدة أن تقتسم رغيف الخبز وتلبس الثوب البسيط وتسكن البيت المتواضع ويكون الصبر جلبابها تأسياً بأهل البيت(عليهم السلام) وطلباً للجزاء الأوفى في الآخرة، لكن كيف إذا ضُلِّلت عقول أولادنا وغارت في وحل الخبث والرذيلة؟ حينها لن نستطيع استرجاعهم؛ لأنهم يكونوا قد كبروا، القارات تصحبهم. القناعات الزائفة والأفكار الهدّامة وتحت مسميات إسلامية وهي لا تمت للإسلام بصلة أبداً، فيمسون إمّا حطباً لحروب خاسرة أو اُسارى وراء قضبان الغربة. أمّا موجة الإفساد والتضليل خطرة والمسؤولية الملقاة على عاتق الأهل والمربّين أخطر، فإن أهمل المسؤول واجبه لأعذار وحجج واهية والحال أنّ أبناءنا أمانة الرب في أعناقنا نُسأل عنها يوم القيامة (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)/ (الصافات:24).