القِيَمُ المَعْنَويَّةُ وَدُورُهَا فِي البِنَاءِ التَّرْبَويِّ للطَالِبِ

م.د خديجة حسن عليّ القصير/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 145

كما لا يخفى علينا أنّ الإنسان جزء لا يتجزّأ من المجتمع، ولذلك فهو معرّض لكلّ التدهور والاضطراب الذي يُعاني منه مجتمعه ومضطر لأن يكيّف نفسه لجميع مقوّمات الحياة وميادينها، ونستثني من كلامنا هذا ما يكون منها تحت إطار المفاهيم والقيم الدينية، فهي الحاكمة على مسيرته وحركته؛ حيث تحرر تلك القيم الإنسان والمجتمع معاً من جميع العبوديات الفكرية، والاجتماعية، والتربوية، وتزرع في الضمير وخلجات النفس الاستقرار والطمأنينة التي هي أساس الصحة النفسية والخلقية، وتدفع إلى العمل الإيجابي البنّاء في إصلاح النفس والمجتمع وتغييرهما، وأساس القيم المعنوية والنفسية الإيمان بالله تعالى وبإحاطته التامّة بالإنسان في حركاته وسكناته، ولذلك نجد أنّ الانحرافات غالباً ما تتزايد في المجتمعات غير الدينية التي لا تؤمن بمفاهيمه أو لا تتبنّاه منهجاً لها في الحياة. قال تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)/ (طه:123، 124). فالقيم التربوية هي الفيصل الذي يحدد سلوكيات الفرد ويوضح تعاملاته مع الآخر من جنسه، وبما أنّ الطالب هو محور حديثنا وهو حلقة الفصل في أغلب المجتمعات باعتباره هو العنصر الفعّال والمهم في رقي المجتمعات وتطورها لذا ارتأينا أن يتم التركيز على الجانب التربوي للطالب، وهذا عن طريق الدور الذي يمارسه المعلِّم باعتباره القدوة لطلّابه، وهذا الأمر إنما يُحدّد من السلوك والعلاقة بين الطرفين والتي تبنى على الود والاحترام المتبادل الذي يؤدي إلى إنتاج مثمر في العمل، ويلاحظ ذلك بزيادة العطاء والمشاركة في الأعمال والأنشطة نتيجة لحسن تعامل المعلِّم واحتوائه لطلابه ممّا يؤدي إلى تقدير المسؤولية، والتعاون، والمساواة، والعدل، والصدق، والأمانة، والمحبّة، والألفة بين المعلّم والطالب. وتختلف الوسائل التي يعتمدها المعلِّم كطرق للتربية؛ منها: مساندة الطالب وتشجيعه، فالمعلِّم التربوي لابدّ من أن يختار من أساليب التشجيع ما يناسب الطلاب مع مراعاة في ذلك الفروق الفردية، فضلاً عن مؤازرة الطلبة في كلّ المواقف التي تواجههم، وكذلك شعور المعلّم بالمسؤولية تجاه الطالب، فالشعور بالمسؤولية يؤدي إلى الإحساس بالإيثار وحبّ الطلبة، ولذلك عليه أن ينطلق في مراقبة وملاحظة طلابه وتوجيههم وتأديبهم، فالمعلّم يجب عليه أن ينهض بهذه المسؤولية على أكمل وجه، واضعاً نصب عينيه غضب الله تعالى عليه إذا هو فرّط، لأنّ المسؤولية شيء عظيم، وأن يحثّ الطالب على التحلّي بالقيم الاجتماعية التي تترك أثراً في حياته وتعاملاته كاحترام القوانين، والضوابط الاجتماعية، وتقديس العدالة، والشعور بالأخوة والمحبّة بين الإفراد، والثقة المتبادلة، والإحساس بالمسؤولية الاجتماعية، والتقوى، والإيثار، ونكران الذات، وتقبّل النصيحة، والنقد البنّاء، وقد حثَّ أهل البيت(عليهم السلام)وفي أكثر من موضع على ضرورة التحلّي بهذه القيم وغرسها في النفس، فعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) أنه قال: "التوحيد حياة النفس"(1)، ومن هنا فتعميق الإيمان بالله(عزوجل) ضروري جداً في تربية الإنسان وبخاصّة في مرحلة الطفولة، وهو وحده الذي يحصّنه من الانحراف، ويوجّه ضميره وإرادته وسلوكه نحو الاستقامة، والصلاح؛ لإيمانه بوجود قوة غيبية تتابعه في حركاته. ....................................... (1) ميزان الحكمة: ج1، ص701. ==