لِأجْلِكِ

مروة محمد كاظم/ بابل
عدد المشاهدات : 196

كانت تركضُ وراء الحافلات حاملةً شيئاً بيديها تريدُ أن تهديه له، ثم نادوا سائق الحافلة ليوقف حافلته.. ففتح الولد نافذة الحافلة ليرَ ما تريده أمه: أماهُ.. ماذا تريدين؟! أخرجت من كُمِّ العباءة شيئاً مغطّى.. ماذا يا أمّاه؟! إنه حجاب أمهاتِكَ يا ولدي، اذهب ولا ترجع إليَّ إلّا والنصرُ حليفُكَ أو تلكَ الخشبة التي ستحملُكَ إلى القبر.. قبَّلَ الولدُ ذلك الحجاب ولفَّهُ على حزامه وأغلق النافذة.. سارت الحافلة إلى الجبهات والراديو يحث بسمفونيات النصر كأنّها حثيث شجر الفردوس يساقط عليهم نصراً حسينياً. سارت حافلتهم كقافلة الحسين، نزلوا إلى سوح الجهاد كأنّهم أنصار الحسين(عليه السلام)، كان بينهم ذلك الولدُ كأنّه زهرة ما دانها الذبول ترتجز للشهادة بأراجيز عليّ الأكبر(عليه السلام) حين لبّى نداء الحسين(عليه السلام). كانت الحرب متعطِّشةً لشمّ هذه الرياحين، كانت تنتظرهم على قدمٍ وساق، تظلّل بيديها تحت شمس الانتظار، وعندما جاؤوا إليها فرشت لهم البساط الملكي، ورشَّت على رؤوسهم حلوى الأفراح كأنهم بدرٌ طلع عليها من ثنيات الوداع. كانت أمه تنظر إلى عقارب الساعة التي تسير بدقّاتها مع دقّات ولدها، وفجأةً اضطربت العقارب وتعطّلت ولم تعرف كم الساعة الآن، وكان الوقت ليلًا والمحالُّ مُقفَلَة.. كان الغرابُ الأرملُ ينعقُ في تلك الليلةِ على دارها، وضعت أمهُ قبضة يدها على قلبها مستنجدةً بالسيّدة الزهراء(عليها السلام).. تراءى لها سيّد يرتدي وشاحاً أبيضاً من خلف ستائر الغيب قائلاً لها: لا تخافي ولا تحزني وقرّي عيناً، ونهضت من نومها فزِعةً ممّا رأتهُ في المنام، وارتشفت جرعةَ ماءٍ على وجل، ولكن ما رأتهُ كان أحلى من العسل. جاء الفجرُ ليبدد قطع الظلام ومن ثم ليندلع الصباح بتراتيل الرحمن، فرنّ الهاتفُ كصياحِ ديكٍ يبشرُ بتسبيحات الرحمة الإلهية لتسمع صوت ولدها: أماه قتلتُ لأجلكِ ألف شمرٍ وألف يزيد. ردّت عليه أمّه الولهى بقلبها المسرور: الله الله عليكَ يا ولدي، حيَّ الله سميّ أبي الفضل، ثم قال لها: أمّاه دعواتكِ لنا، سنهجمُ على العدو بعد دقائق، وأغلق الهاتف. فأخذت الأم تكسرُ بأصابعها الخريفية، وتعقد بفوطتها لأم البنين(عليها السلام)، وتدعو بدعاء يعقوب ذلك الذي دعت به ليلى لعليّ الأكبر، ورنّ الهاتف بعد سويعة، وإذا بولدها يتصل: أمّاه، الحسين(عليه السلام) يناديني إليه، اقرئي العديلة فالحسين منتصر هكذا أومأ إلينا بإصبعه المبتور. خرّت الأم مغشيّاً عليها فاجتمعن حولها ليلى، ورملة، والرباب، وقائدتهنّ زينب الكبرى، ورشّت رقية عليها الماء فانتبهت، إذ نادى المؤذن: حيّ على الصلاة.