ثَوْرَةٌ عَلَى ظَرْفٍ قَسْرِيٍّ

ميمن مؤيد السعيدي/ بريطانيا
عدد المشاهدات : 189

بسبب التطوّر الهائل السريع والإعلام الذي يسلّط الأضواء في أكثر الأحيان على المرأة المنجزة ويتناسى ربّات البيوت تغيّرت لنظرة المجتمع لهن؛ حيث حصرهنّ في خانة الكسل، وعدم الإنجاز، والاتهام بالتقصير تجاه المجتمع، حتّى صدَّقت بعض النساء هذه الأوهام المحبطة وطبّقنها بالحذافير، وأصبح بعضهن أسيرات لها، وكأنّ هذه الوظيفة تنحصر في تنظيف البيت ومتابعة الأولاد فقط -مع عِظم المهام المذكورة-. عزيزتي ربّة البيت، أدعوكِ إلى تقدير هذه المهنة الكريمة، فطول مدّة العامل الزمني المتاح لربّة البيت أضعاف ذلك الذي تعيشه المرأة العاملة، وهذا يعني الكثير؛ مثلاً على الصعيد الديني يعني: حرية في أوقات العبادة ومقدارها، والتخلّص من الاختلاط المحرّم لبعض الوظائف، وإعانة الزوج بما يحتاجه من إدارة أمور البيت، وهذه عبادة بحدِّ ذاتها إذا ما نويت بقصد القربة إلى الله تعالى، والقدرة على متابعة التكلّيفات الدينية للأبناء، وحرية القيام بالواجبات الاجتماعية ذات البعد الديني مثل زيارة الأهل، بل حتى على صعيد العائلة، فأوقات التنزّه والترفيه والسفر تكون أقل تقييداً، وهذا أمر مهم يُساعد على التقرّب من الأولاد وسد احتياجاتهم للترفيه المشروع. أمّا من الناحية الصحية فربّة البيت تتعرّض لنصف الضغط النفسي الذي تتعرّض له غيرها العاملة؛ حيث الأخيرة تتعرّض لضغطي العمل والبيت على حدّ سواء، وحرية الوقت لغير العاملة تسمح بممارسة الرياضة، وطهي الطعام الصحي والتفنن به، وتتيح وقتاً لممارسة الهوايات التي غيّبتها ضغوط الحياة. ما ذُكر أعلاه من الإيجابيات يواجه كماً من السلبيات التي يمكن حصرها بعدّة أمور منها مثلاً: 1. الروتين: يأتي الروتين والملل في أول قائمة السلبيات عند بعض النساء، والتغلّب عليه ليس بالأمر المستحيل، فاتّباع جدول تختلف مهامه بشكل يومي أو أسبوعي كفيل بكسر الروتين، وإضافة توابل للحياة كالاشتراك في دورة مجانية، أو قراءة مواضيع مختلفة، أو متابعة برامج تلفزيونية هادفة، أو متابعة ما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي بتعقّل وانتقاء؛ كلّ ذلك سيكسر الروتين ويوسّع أفق التفكير ويحقق رضا عن الذات. 2. شهادة أكاديمية غير مستخدمة: تندم بعض النساء وتجّر الحسرة بعد الحسرة لتضييعها الأعوام من عمرها في الدراسة والتحصيل العلمي، متناسيةً التكليف الشرعي أولاً بطلب العلم، وحالة الإشباع النفسي الذي يحدثه التعلّم ثانياً، فهذه الشهادة الأكاديمية ذخرٌ أهون استخداماته تدريس الأبناء بمختلف مراحلهم الدراسية. 3. ضيق ذات اليد: قد يضع هذا الأمر المرأة في موقف البحث عن دخلٍ إضافي يسد احتياجاتها واحتياجات أسرتها، ولكن بطلة هذا المقال ربّة بيت بسبب الظرف القسري، فهل من سبيل لأي دخلٍ إضافي؟ نعم، لديكِ بعض الخيارات هنا: إمّا تنمية هواية قديمة والمتاجرة بها من داخل البيت، أو الإلحاح بالدعاء إلى الله(عزوجل) بتوسعة رزق الزوج، يقول الإمام عليّ(عليه السلام) في وصية لابنه الحسن(عليه السلام): "واعلم أنّ الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء، وتكفّل لك بالإجابة"(1)، وخياركِ الأخير هو تعلّم فن الرضا والقناعة لأنّ "القناعة مال لا ينفد".(2) يُذكِّر هذا المقال البعض بأنّ القوة النابعة من الأعماق لتغيير الواقع الذي يقنعنا به الغير على أنه فاشل إلى واقع أفضل وأكثر تصالحاً مع النفس مهمة ممكنة التحقيق، فدور المرأة العظيم في المجتمع يبدأ من بيتها أولاً، فلانتاج جيل ناجح يجب أن تبدأي بنفسك أولاً وتكوني في حالة رضا عن الذات، فلتكن إذن هذه المهمة حالة ثورة على الظرف القسري. ......................................... (1) نهج البلاغة، ج3، ص47. (2) نهج البلاغة، ج ٤.