رياض الزهراء العدد 146 صحة العائلة النفسية
الشَّخْصِيَّةُ الاتِّكَالِيَّةُ
يُولد الإنسان وهو معتمدٌ على أمّه، لأنها مصدر الحياة بالنسبة له، فهي التي تغذّيه، وتحميه، وتحيطه برعايتها واهتمامها، منذ مدّة ما قبل الولادة وما بعدها هي مرحلة الاعتماد والاتكالية شبه الكاملة على الأم، وتبدأ الاتكالية والاعتماد في حياة الطفل بالتناقص شيئاً فشيئاً مع تقادم العمر، إذ تتوزّع من الأم ثم الأب، فالإخوان، والأخوات، وصولاً إلى الأقارب، والأصدقاء، ويبقى الطفل معتمداً على الآخرين حتى سن المراهقة، فهو يطلب الحماية الأمنية والمعيشية من الوالدين، وهم يقدّمون له الحماية دون كلل أو ملل. ومن هنا يبدأ المراهق في تشكيل شخصيته، وهويته، وانتمائه، والتي ترتبط بشكل كامل بالأبوين في المقام الأول، ومن ثم تبدأ نزعات من التمرّد، أو الرفض، أو الانفصال عن هذا الواقع الاتكالي، يغذِّيها بطبيعة الحال البيئة التي يعيشها المراهق، ابتداءً من العلاقات الأسرية ومروراً بعلاقات الرفاق في المدرسة، فضلاً عمّا يتعرّض له المراهق من عمليات عدول وتشظي فكرية عن طريق الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة. ومن المعروف أنّ حالة الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة، يكتنفها الكثير من الصراعات والأزمات في نفس المراهق، وتوصف الشخصية في هذه المرحلة بأنها متداخلة ومتبادلة بين الاستقلالية والاتكالية، وأنّ الإشكالية هنا في خطورة استمرار سمة الاتكالية كسمة مميّزة في حياة الشخص، والتي تبدأ من حياته بالمدرسة، إذ يتّكل على مدرّسه في أن يعطيه المعرفة والمعلومة الكاملة دون أن يبذل جهداً في البحث والاستقصاء، فهو دائماً يبحث عن الأسهل والأيسر، والمشكلة التربوية الشائكة، عندما يتعرّض الشاب في حياته إلى التوجيه الإعلامي المبرمج عن طريق وسائل الإعلام المختلفة دون أن يُترك لهُ الخيار في انتقاء ما يريد، إذ يتعوّد بمرور الزمن على أن تُصنع لَهُ الأشياء دون أن يصنعها هو بنفسه. وممكن أن نُعرّف الشخصية الاتكالية بأنها: حالة طلب الفرد مساعدة الآخرين، أو طلب الدعم المادي منهم، وأنها حالة تعبّر عن ضعف الثقة بالنفس, والميل إلى مساعدة الآخرين، أو يبحث بنشاط عن الدعم العاطفي والمادي وكذلك الحماية والرعاية اليومية، ويتّصف الفرد الاتكالي بالسلبية، والتشاؤم، والخمول، والاستسلام. وإذا استمر الفرد بالاتكالية والاعتماد على الآخرين يُصاب باضطراب الشخصية الاتكالية، ويتم تشخيص اضطرابات الشخصية الاتكالية عند ظهور ما لا يقل عن خمسة من الأعراض الآتية: 1-لا يستطيع الفرد اتخاذ القرارات المناسبة بشأن مفردات الحياة اليومية، فإنها تُتّخذ من قبل الآخرين. 2- يوافق على آراء الآخرين وأفكارهم حتى في حالة قناعته بأنهم على خطأ. 3- غير قادر على المبادرة. 4- يقبل تنفيذ طلبات الآخرين وإن كانت هذه الطلبات مزعجة له، وذلك لإرضائهم أو لكي يكون محبوباً من قبلهم. 5- لا يتحمّل الوحدة ويحاول بكلّ جهده أن يتجنّبها ويشعر بالحاجة إلى رفقة الآخرين. 6- تكون ردود فعله عنيفة وشديدة عندما تصل علاقاته بالآخرين إلى القطيعة النهائية. 7- يشعر بالقلق عند شعوره بأنه مهجور ويتألم بسهولة عند تعرّضه إلى النقد أو الإهمال. ووجدت العديد من الدراسات أنّ هناك علاقة بين الاتكالية والعدوان, وتوصّلت دراسة إلى أنّ الإفراط والتذبذب في الدفء والعاطفة الوالدية تثبتان الاتكالية، كما أنّ للمستوى الاقتصادي دوراً فاعلاً ومؤثراً في السلوك الاتكالي، فقد توصَّلت دراسة إلى أنّ أطفال الطبقة الفقيرة يظهرون اتكالاً قليلاً أو لا يظهرون، بينما أغلب أطفال الطبقتين المتوسطة والعالية يظهرون الكثير من الاتكال.