لتسكُنٍي إليه
حِيْنَمَا تَشْرُقُ شَمْسُ الأُسْرَةِ يَتَهَلَّلُ وَجْهُ الصَّبَاحِ أضواءً بِالمَحَبَّةِ فتحفهُ الشَّرِيْعَةُ أفْياءَ رَحْمَةٍ وَمَودَّةٍ. كانت لحظات متميّزة شعرت حواء - المرأة المؤمنة - بها، وكأنّ قلبها دَفٌّ أو طبلٌ يُقرع يشاطر عرسَها حينما زفّت لنفسها - زوجها - لتسكن إليه، ويسكن إليها تودداً ورحمة بجعلٍ منه تعالى، وتكون رفيقة دربه، والصاحب بالجنب، في خلق جديد، وولادة جديدة مختارة. بذلك يُكملا نصف دينهما؛ فصلاة المتزوِّج بسبعين صلاة، يعرج بها وصولاً إلى الكمال؛ فيتكلَّل الحبُّ بينهما درّاً منثوراً. تقاسمُ الحقوق والواجبات، وتبادلُ الأخلاق الحميدة هي سياجُ ذلك الزواج الميمون الذي يُمغنط العطف تجاذباً بينهما ليأخذ بمجمع القلبين؛ فيطمئنّا، (..أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)/ (الرعد:28)، وطالما كان هذا الزواج قائماً من أجل عمارة الأرض فهو ذكر لله تعالى، فما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله(عزوجل) من التزويج، وكيف به إذا كان أساسه القربة لله تعالى، فإنّ مثل هذا البيت يظلّه الله برحمته. والزوجة الصالحة طائعة لزوجها، لا تعصيه أمراً، ولا تتصدّق من بيته إلّا بإذنه، ولا تصوم تطوّعاً إلّا بإذنه، ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه؛ لكي لا تتربّص بها الملائكة لعناً حين المخالفة. هي تدرك أنّ أعظم الناس حقاً عليها هو زوجها، عن أبي عبد الله(عزوجل) قال: "..قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): لو أمرتُ أحداً أن يسجدَ لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تسجدَ لزوجها".(1) وعن الإمام عليٍّ(عليه السلام): "جهادُ المرأةِ حُسْنُ التبعُّلِ"(2) إذا نظر إليها سرّته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها، وفي ماله، ولم تمنعه من نفسها وإن كانت على قتب. نعم، هي تخشى سخط الله(عزوجل) وسخط مَنْ في السماء إن لم يرضَ عنها؛ لهذا فإنّها لا تغضبه ولا تؤذيه، بل إن غضبت أو أغضبت لا تكتحل بغمض حتى يرضى عنها، إن آذاها صبرت عليه، وصبرت على غيرته، ولم تحمّله ما لا يطيق، ولا تقول له: ما رأيتُ منك خيراً قط؛ لئلّا يحبط عملها، فلا تُقبل منها صلاة ولا حسنة، لا تتطيّب لغيره، هذا إطار مسيرتهما معاً؛ فإذا استرجع الله تعالى أمانته وهو زوجها، فإنّ حدادها أربعة أشهر وعشر، فتتخلّى فيه عن كلّ زينة، وفيّة صابرة محتسبة أمرها لله تعالى. "طوبى لكِ" لم يكن الامتحان بالسهل اليسير ولاسيّما مع عدم التقدير؛ فليس الكل بكريم لتملكه، بل منه اللئيم، وفوق الكل؛ فإنّ الكريم الرحيم قد وعدكِ - عزيزتي حوّاء - بالخير الكثير على لسان أوليائه. إنك وبأدائك حق زوجكِ تكوني قد أدّيتِ حق الله(عزوجل)، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها، فأنتِ سعادته وخير متاع له، وبصلاحكِ أصبحتِ خيراً من ألف رجل غير صالح، بل بصبركِ على سوء خلق زوجكِ؛ يعطيكِ الله(عزوجل) مثل ثواب آسية بنت مزاحم، وإنّ الله(عزوجل) ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) بريئان ممّن أضرّ بامرأة حتى تختلع منه، وما زال جبرائيل يوصي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بالمرأة حتى ظن أنه لا ينبغي طلاقها إلّا من فاحشة مبينة، عن الإمام الباقر(عليه السلام): "أيّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلق الله عنها سبعة أبواب النار وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيّها شاءت"(3)، وعن الإمام الصادق(عليه السلام): "سألت أم سلمة رسول الله(عزوجل)عن فضل النساء في خدمة أزواجهنّ، فقال: أيّما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحا إلّا نظر الله إليها، ومَنْ نظر الله إليه لم يعذِّبه"(4)، وعن الإمام الباقر(عليه السلام): "ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلّا كان خيرا لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها"(5)، فحتى تطوّعكِ بخدمة زوجكِ له مقابل، فأنتِ مستفاد المؤمن بعد التقوى، فهنيئاً لكِ. ...................................... (1) الوافي:ج22، ص777. (2) ميزان الحكمة: ج1، ص452. (3) ميزان الحكمة: ج2، ص1186. (4) ميزان الحكمة: ج2، ص1186. (5) وسائل الشيعة: ج14، ص123.