أروقة جامعية

ولاء إبراهيم الملا/ عمان
عدد المشاهدات : 408

ما تخبّئه لنا الأروِقة هُناك.. عن التفاصيل التي تصنعُ ذاكرة الحلم، بين سندانِه.. والواقع.. نونُكِ.. جَرَّةُ قَلَم رؤية الجَمال تَحتاجُ إلى نورٍ في أقصى الرّوح، وَزاوية لحَبل غَسيل يَحتملُ بَلل الدُّنيا العالق، وَإنسان،نَعم تَحتاجُ إلى إنسان يُدرك أنَّ إنسانيته هي الكون، هي الوجود، وفُسحة سماوية تشبه (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)/ (طه:39)، وَأقلام مِن التنهّد الطويل لا يَنفدُ مِدادها كُلّما بدأت تَخطُ دُعاءً في وَجهِ غَيمةٍ مُقدّسة! وَشمس تَنبُتُ في جنون فِكرة، تُشرق حُلماً وَلا تَغيب حتى تَصير إنجازاً هائلاً في العطاء، إنجازاً يعمرُ الأرض برعاية سمائية. مذكرات جامعية الحلقة السادسة والعشرون في جناح الباطنية، كنتُ أقف عند رأس إحدى المريضات اللاتي يطبِّبني كلامها دائماً، اليوم كان الدرس برعايةِ قلبها.. كنتُ حزينةً لدرجاتٍ فقدتها في تقييم الأمس.. سألتني فأخبرتها: أنّ الأحزان تتراكم في داخلنا حتّى يؤدي إلى انفجارها أمرٌ صغير، وأنا لا أحبُّ أن أحزن.. أجابتني وقد كان كلُّ قلبي منصتاً: ربّما يجب أن نفهم أنّه ثمة أحزان خاصة بصاحبها، حزنٌ على مقاسِ ذلك القلب، إذ إنّ كلّ تجربة حزن هي تجربة فردية في أصل الشعور وتوابعه والتأقلم معه، والعامل المشترك الوحيد بين الكل: هو الحاجة لفهم هذا الحزن وليس محاربته بتكتيك الإيجابية البلاستيكية وإيمان اللسان. احزن عند حاجتك، احزن حين تفقد، احزن حين تشعر أنك تمشي بين الوجوه التي ألِفت ولم تعُد تألف، احزن حين تكون عزيزاً عند أحدٍ ثم لا تكون، احزن حين يتغيّر صديق دون سبب، حين يتخشّبُ كتفه الذي اعتدت أن تضع رأسك عليه، حين تنطفئ صورتك المضيئة في عينيه فلا تراكَ فيهما، احزن حين يكون مشيك بين البشر كمن يمشيٍ في حقل ألغام، الكلُّ قابل للانفجار لأقل عبور، احزن لأنك تتيه وسط كلّ هذا الخراب، وسط هذا التنميط، احزن حينَ تصنَّف على وفق معايير الآلات بدل معايير البشر، احزن لأنّ القلوب ما عادت تتعانق عن بعد، صارت تعجزها المسافة، احزن لأنّ طائر الحمام (الزاجل) الذي كان يأخذ أياماً ليوصل رسالةَ شوق أوفى من رسالة سؤالٍ "على الواتس أب" التي لن تأخذ سوى دقيقة، احزن لأنك رأيت كيف إنك منسيٌّ وأنتَ حيّ وعرفتَ أنك ستكون هباءً حين تموت، احزن لأنّ هناك من ينصب لك أفخاخ الكلام ليصطاد الكلمة التي بها يستطيع اتهامك، احزن لأنّ الجرح صار سهلاً، والاعتبار لقلب الآخر صار عدماً، احزن لأنّ من يدّعي حبّك يملك الجرأة ليتكلّم مع الجميع عنكَ في شيء يخصّك بدلاً من أن يتكلّم معك، ويسمع من الجميع عنكَ بدلاً من أن يسمع منكَ، احزن لأنّ مشاهد الدم في كلّ مكان صارت لا تُحرّك قلب أحدٍ، صار أكثرهم يتجاوزها حتى لا تفسد تلك الصورة الـ "واو" شكل يومياته التي يعرضها بالتفصيل، لكنه يخشى على تفصيلة تافهة كاستنكار دم طفل، أو اعتقال شاب له أحلام تشبه أحلامه، أن تكون جزءاً ممّا يستعرض، احزن لأننا صرنا في مدينةٍ صناعيةٍ كبيرة وثمة فراشة مخنوقة تحاول أن تطير ولكن عبثاً، احزن حتى لو ألقموك تجارب حزنهم لتنسى حزنك. كان أمراً محزناً يطالني لمدّة طويلة، حزنٌ لا يُشرح، لايُفهم، وفي يومٍ ما، التحم هذا الحزن (على بعضه) ورفع نخلة في قلبي، لم أسعَ لشيء حينها، ولم أركض خلف شيء، إلّا أنّ شعوراً غريباً نزل في قلبي أمام نخلةٍ طال جذعها رغم كلّ أحزان ذلك البيت (القلب) قلتُ في سرّي: يا رب، ارزقني صبر النّخل.. اتّسع قلبي بشكلٍ أدهشني، اتّسع للكون ومخلوقات الكون وأكثر من ذلك، ربّ هذا الكون الذي تعجز أمامه كلّ الحواس، تشعرين معه براحة ورضا عن كلّ شيء، لا وحدة تنهش قلبك، ولا وحشة تقبض روحكِ، احزني، لكن مدّي يدكِ لله في كلّ حزن. قبّلتُ رأسها.. ومضيتُ أمدّ حزني إلى الله..