ذَاتَ صَبَاحٍ
(1) شكراً لكَ يا ربّي لأنك تحميني من نفسي، من لحظات غضبي، من ضلالات حزني، أوجاع حيرتي، ومن فزع وحدتي.. هذا المساء كنت أتلوّن بالحنق والغضب، كنتُ أريد أن أشفي غليلي، كان يبدو كلّ شيءٍ بيدي، وكنت كالقادر على فعل كلّ شيء.. ولكن تلك اللحظة كانت صمام الأمان! وجدتُ نفسي بين يديك.. أنتَ سِقْتني إليكَ.. ذكّرتني بأني في محضركَ.. واختلف الأمر، ودوماً ما تختلف الأمور معكَ.. (2) مرات عديدة تمنّيتُ فيها أن أقضي الكثير من الوقت دون أن أرى أحداً.. وظننتُ أنّ الأمر يرتبط بالآخرين وضجيجهم وقضاياهم، لم أكن أدري أنني في حقيقة الأمر أفتقدكَ أنت، وأنّي أحن إليكَ.. كانت الروح ظمئ والقلب مشتاق ولم أكن أعلم..! هذا اليوم فكّرتُ كثيراً يا ربّي.. تذكّرتُ كلّ الأيام التي سحقتني الوحدة فيها، فقطعتها بالكآبة دون أن ألحظ أنك كنت بقربي.. (3) فَناجَيتهُ سِرّاً.. ناجيت مَنْ؟ ناجيت مَنْ يا ربّي؟ وسراً؟ أتناجيني أنا؟ من عليائك؟ وبطريقة العشّاق؟ سراً؟! أتأمّل في كلمات المناجاة، أجد فيها الكثير من اللقاء، الكثير من الأمل والكثير من القرب، وكأنّ ما بيننا أكثر ممّا هو بين العبد وربّه.. يراودني اليأس يا ربّي.. فمَنْ أنا لأكون نجيّكَ؟ ثم أتذكّر أنّ الدعاء يعني القابلية، يعني الإمكانية، وأنه يعني أنني قاب قوسين أو أدنى.. يرهقني شعور الخجل، أتمنّى لو كان بإمكاني الاختباء، غير أنّ الحيرة تزيد من عذابي، فأين أختبئ من فضيحتي؟ هنا وجدتني أفرّ إليكَ.. (4) قلبي المعتم في قبضة الظلمة يتنفّس وجع ذنبه، يئن لفرط ماضٍ متخم بالإسراف، متسربلٍ بالضياع.. ظلمات بعضها فوق بعض! لكن النور في الخارج مضيء، مضيء جداً نورك يا ربّي.. هذا النور الذي يخترق أعماقي في كلّ مرّة ناديتكَ فيها، يملأني بالسعة والنقاء.. لكني في أحيانٍ كثيرة لم أره، فسامحني يا رب.. سامحني لكلّ السماوات المنيرة التي وهبتني إياها وقضيتها أنا محدِّقاً في بئر رغباتي.. (5) إلهي.. لَم يَكُن لي حَولٌ فَأنتَقِل بِهِ عَن مَعصيَتِكَ إلاّ في وَقتٍ أيقَظتَني لِمَحَبَّتِكَ، تنتشلني من ضعة الخطيئة إلى سمو القرب.. آه ما أعذب إيقاظ المحبِّين! تحبّني فتتجلّى لي في كلّ شيء، أعصيك تحجبني عنك أعمالي، فتبقى قريباً حبيباً سميعاً.. آه ما أكثر غفران المحبِّين! تحبّني فتدعوني إلى لقاءٍ خاص، لا يحلو إلّا في سكون الليل، فأنام عنك قرير العين! وتبقى أنت.. تفرش لي عافيتكَ وتدثّرني بأمانكَ.. آه ما أصدق ميعاد المحبِّين..