أَسكُبُ حُزْنِي لِلجَوَاد(عليه السلام)

تبارك حيدر قيس/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 205

شاكٍ أنا.. وشكايتي قد أعلنتها.. ألمي وكلّ مواجعي تحت قبّة العسكريين قد أظهرتها.. أشكو لسادتي حُرقة حُفِرت في داخلي كوشم نقشتها.. عن ماذا أحدّثكم؟ عن أيّ جرح وعن أي ألم؟ عن ليلة شحب فيها البدر.. أو عن صوت شجن باتت حباله منصرمة لا أسمع فيه إلّا الأنين.. أو عن صوت قهر يعوي في ظلمة الليل اهتز له عرش السماء.. أو عن شوقٍ يمضي بلهفة بكلّ شجونه إليكم.. أو عن ريحٍ ساقت من بغداد بالبكاء صرخاتها.. تحمل نحيباً من منارة الجوادين ما انطفأت على أنسام الحزن جمرتها.. نحيب يخنق الكلمات ويُخفي الأحرف خلف غيمات غصة الصدر، لا تزول حتّى تزول ملامح الغربة.. يروي بألم كم تألمت جدران الضريح المقدّسة، تروعني زفراتها.. وكم هدّت فاجعة استشهاد الجواد أروقتها.. وأذان المآذن يعزف لحن الغياب.. بين حرف وحرف توقظ وجعاً جاوز منتهاه.. يذكّرك بلحظات العذاب.. فتُدفن الأحلام ويتلذذ بالوحشة إحساس الاغتراب.. فعاد فيها ينزف جرح الآباء، وعاد ألم فقد الجنين.. يستنفر ذكرى الاحتضار الأخير لخير جواد.. وتبكي شهقات الأنفاس المظلومة للتقي باب المراد.. وروح شباب الأئمة المسموم تحلّق بعيداً في دنيا شفافة.. تخلع أهابها الجسدي لتحلّق في عوالم الذر.. ولو أصغيت السمع لسمعت تسبيح الملائكة الصافية بحمد ربّها.. انفتحت أبواب الملكوت لمن ترعرع في سدرة الأنبياء.. وساحت دموع الحبّ الإلهي المفتون.. دموع تغسل ذنوب البشرية جمعاء وتفجِّر في أسبار مكنوناتها الأسرار، كما تنفجر من الصخر ينابيع الحياة في لحظة تماس مع الغيب.. فتشرق قلوبهم بنور ربّهم، تنبض بالحب والأمل والسلام.. لكن أأخبرك سرّاً.. يا مدينتي البكماء؟ لقد رحل عن دنيانا مَنْ كان يسمو بثياب الخلود.. رحل مَنْ كان في وجوده يعم السلام، ويُولد السلام، ويكبّر السلام، رحل تاركاً بعده محراباً يبكي ألم فراقه لربّه المعبود.. وا حسرتاه على شباب قُضِي وهو في زهو عمره، خطّ بدمه الزكي إباءً لم يكسره ليل الظلم الطويل، رحل إمامي محمّد الجواد. وفي صدري شكوى أحالتْ العمر على مقاعد العجز.. الليلة انقط حزني عندكم، لا صبر لي كي أُجابهه.. انقط أشلاء بل بقايا همسات في لحظة ضياع.. فعدتُ وحيدةً مع أوجاعي لمرافئ التي أدمنتها.. فبماذا عساي أُضمد ندوب الفؤاد وفِي داخلي نار يستعر لهيبها.. ولمن أشكو إذا أفضيت عذري.. وبماذا تهدئ غصص الأنين.. وكيف السبيل لراحة الروح وقد أشقيتها..