الإمَامَةُ رَوحُ الإِسْلَام

ولاء قاسم العبادي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 187

لم يبعث الله رسولاً من رسله(صل الله عليه وآله وسلم)إلّا ومن أولى أولوياته الدعوة إلى عبادة الله(عزوجل) الواحد الأحد التي تسهم في الارتقاء بالبواطن البشريّة، وتحقيق العدالة الاجتماعيّة قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كلّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(النحل:36). وقد شاءت حكمته(عزوجل) أن تُختم الأديان السماويّة بدينٍ ذي محتوى رصين، ومنطقٍ متين، تخضع له كلّ الأديان السماويّة المحرّفة، وينتصر على جميع الأفكار الأرضيّة المنحرفة، دينٌ به لا يُعبد على الأرض سوى الله الواحد، ذلك هو دين الإسلام الخالد، إذ قال: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)/ (التوبة:33). وبذا كان دين الإسلام علّةً لتحقيق حلم جميع الأنبياء والأولياء(عليهم السلام)، ومن المعلوم أنّ العلّة في حال تمامها -أي تحقّقها بجميع أجزائها (المقتضي واجتماع الشرائط وارتفاع الموانع)- لا يمكن أن تنفكّ عن المعلول أبدًا، فإن تحقّقت تحقّق وإلّا فلا. وقد أجمع مفسرو الإماميّة على أنّ دين الإسلام لم يكتمل، ولم يرضَ الله به دينًا إلّا بعد تنصيب الإمام عليّ(عليه السلام) في غدير خمّ، وقد وافق هذا التفسير روايات صحيحة عند أهل السنّة، منها ما نقله الحافظ أبو نعيم الإصفهانيّ في كتاب (ما نزل من القرآن الكريم بحقّ عليّ(عليه السلام)) عن أبي سعيد الخدريّ - وهو صحابي معروف - أنّ النّبي(صل الله عليه وآله وسلم) أعطى في يوم غدير خم علياً منصب الولاية، وإِنّ الناس في ذلك اليوم لم يكادوا ليتفرّقوا حتّى نزلت آية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)/ (المائدة:3)، فقال النبيّ (صل الله عليه وآله وسلم) في تلك اللحظة: «الله أكبر على إِكمال الدين وإِتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي وبالولاية لعليّ(عليه السلام) من بعدي، ثمّ قال(صل الله عليه وآله وسلم): مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره واخذل مَن خذله». مثلما روى الخطيب البغداديّ في تاريخه عن أبي هريرة عن النّبيّ(صل الله عليه وآله وسلم) أنّ آية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) نزلت عقيب حادثة غدير خمّ والعهد بالولاية لعليّ(عليه السلام) وقول عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم. ولقد حاول المخالفون قصر كلمة المولى في الحديث أعلاه على معنى (المحبّ) فقط؛ لانتزاع مقام الإمامة منه (عليه السلام)، ويا لها من محاولةٍ بائسة، هي أشبه بمحاولة حجب ضوء الشمس بغربال، فعلى الرغم من أنّ كلمة (المولى) مشترك لفظّي إلّا أنّ القرائن الحاليّة والمقاليّة في الواقعة تؤكّد على أن المعنى المراد هو الأولويّة بالتصرف؛ ولذا وجب على مَن يخالف ذلك أن يثبت بالدليل صحّة دعواه. وعليه فقد أصبح الإسلام علّةً تامةً بجزأين أساسيين، هما: البعثة النبويّة والغدير، فلولا وجود البعثة لما كان الإسلام، ولولا الغدير لما كَمُل الإسلام، ولكان علّة ناقصة، والعلّة الناقصة لا يلزم منها وجود المعلول، وهو إظهار ديّن الإسلام على الدين كلّه، من هنا يمكننا فهم جعله سبحانه عدم تبليغ الإمامة بمنزلة عدم تبليغ الرسالة من رأس، إذ قال(عزوجل): (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)(المائدة:67). أضف إلى ذلك أنّ الإمامةَ هي الامتداد الشرعيّ للنبوّة؛ فهي التي تصون الدين من أن تطاله يد التحريف، وتذود عنه، وتفنّد كلّ ما ينسب إليه من أباطيل وتزييف، بلّ إنّ من سيُظهر الدين على يديه إنّما هو إمام، لذا فإن كان الإسلام قالباً فقلبه الغدير، وإن كان جسدًا فروحه الغدير. .................... (1)الغدير العلامة الأميني: ص232 نقلًا عن الأمثل ج3، ص588. (2)المصدر السابق ص233.