رياض الزهراء العدد 147 أنوار قرآنية
رُبَاعيِّاتُ القَصَصِ القُرآنِيّ
للقصّة في القرآن الكريم مساحة ودور كبير في ترسيخ المعلومات والأحداث؛ لما لهذا السرد القصصي من تأثير محبّب في النفوس، وعناصر بناء القصّة القرآنية لها من الدلالات والأسرار الشيء الكثير، وقد وجدتُ في بعضها محورًا خاصّاً يستقطب الأحداث ويكمّلها مع الشخصيّات بترتيب هدفي في النسيج القصصي، وبعض هذه المحاور تكرّرت أربع مرّات في كلّ قصّة، ومن هذه القصص: قصة النبي موسى(عليه السلام ): محورها (العصا)، إذ تمركزت حولها الأحداث المهمّة أربع مرّات: 1. في الوادي المقدّس طُوى، إذ كلّم الله(عزوجل) موسى(عليه السلام ) وجعله رسولًا، فحكاية ما أمر الله(عزوجل) موسى بأن يلقي العصا من يده وألقاها موسى وتحوّلت في الحال إلى حيّة تسعى خرق الله(عزوجل) العادة فيها، وجعلها معجزة ظاهرة باهرة. 2. حينما تحوّلت العصا في يوم الزينة إلى ثعبان عظيم يلقف ما أفك السحرة، هنا المنعطف الكبير في القصّة بأكملها حيث سدّد الله(عزوجل) موسى(عليه السلام) بالمعجزة، وانتصر الحقّ أمام الملأ ليظهر صدق دعواه، ولعلّ انعكاسات هذه الحادثة من إيمان السحرة بموسى(عليه السلام) أثّرت تأثيراً كبيراً في إيمان الناس بموسى(عليه السلام)، مع الالتفات إلى أنّ تبديل العصا إلى ثعبان عظيم لا يمكن تفسيرها بالتحليلات الماديّة المتعارف عليها، بل هي من وجهة نظر الإلهي الموحد ـالذي يعدّ جميع قوانين المادّة محكومة للمشيئة الربانيةـ ليس فيها ما يدعو إلى العجب، فلا عجب أن تتبدّل قطعة من الخشب إلى حيوان بقوّة ما فوق الطبيعة. 3. حينما فلق موسى(عليه السلام)البحر بعصاه ونجاة موسى(عليه السلام) والمؤمنين، وهلاك فرعون وجنوده في اليمّ وبهذا تُطوى صفحة فرعون وتبدأ مرحلة جديدة من حياة بني إسرائيل. 4. حينما أمر الله(عزوجل) موسى(عليه السلام) أن يضرب بعصاه البحر فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً، هي مرحلة ما بعد فرعون تعويضاً لهم. قصة سليمان(عليه السلام): محورها (الحيوانات) في أربعة أحداث رئيسيّة: 1. النعاج وقصتها المفصّلة في الحكم وكانت في حياة أبيه داود(عليه السلام)، وشكلّت قضيّة النعاج مصدراً مهماً في الحكم والقضاء في البحوث والدراسات الإسلامية، إذ كان حكم سليمان(عليه السلام) أخفّ على صاحب الغنم من حكم أبيه(عليه السلام)، ولا يمكن القدح بحكم داود(عليه السلام) لقوله تعالى: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكلّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا..)/ (الأنبياء: 79)، وحكمه هيّأ له خلافةً بعد أبيه في الملك. 2. النملة: وذُكرت قصّتها بالتفصيل في سورة النمل، وتتبيّن فيها عظمة سليمان(عليه السلام) كنبيّ وملك وقائد عسكري، كما أنّ النملة ذكّرته بنعم الله(عزوجل) عليه، فذكر ربّه والنعم التي أنعم الله بها عليه وعلى والديه بما خصّهم به. 3. الهدهد وهو المحطة المهمة في سياق القصة، فكان له دور رئيسي في التمهيد لمجيء بلقيس ملكة سبأ وإيمانها وقومها على يدي سليمان(عليه السلام)، وأثره في امتداد ملك سليمان مع ما ووفّرته مملكة سبأ من دعامة سياسيّة كبيرة لملكه بين الممالك الأخرى. 4. الأَرضَة: وهي التي أنهت أحداث القصّة بشكلٍ تام، إذ أكلت منسأة سليمان(عليه السلام) التي كان يتكئ عليها، وعن طريقها علم الجميع بموته. ................ (1)التبيان في تفسير القران، ج٧، ص١٦٥. (2) تفسير الأمثل، ج5، 142. (3) تفسير الميزان: ج6: ص157