مَنْ انَا ومَاذَا أُرِيد؟

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 238

سؤال واحد متكوّن من شقّين، عند قراءته للوهلة الأولى يبدو بسيطاً جداً، ومن الممكن الإجابة عنه بسرعة، لكن ما إن يُوجّه إلى شخص ما تحديداً وتُترك له فرصة التفكير به لبرهة من الزمن، حتّى تخالجه الكثير والكثير من الأسئلة المتشعّبة منه التي يحيّر العقل في بيانها وتفسيرها. نعم مَن أنا؟ وماذا أريد؟ هذا السؤال هو فعلاً مصداق لمفهوم السهل الممتنع، فنظنّ أنّ أمرً سهل المنال، وعند محاولة الوصول إليه نعاني من الصعوبة، ومثال على ذلك عندما نراقب أحد الأشخاص الموهوبين وهو يقوم بالكتابة بأحد أنواع الخطوط العربيّة، ونلاحظ تراقص الفرشاة بين أنامله الفنيّة بكلّ خفةٍ ومرونةٍ، ومن ثمّ نعتقد أنّه بإمكاننا فعل ذلك، وبمجرد ما إنّ نبدأ المحاولة حتّى نكتشف صعوبة الأمر ونتيقّن من ضرورة التدريب لنصل إليها هذه الاحترافيّة في رسم الخطوط العربيّة بكلّ مهارةٍ وإتقان. وهنا يجب أن نبدأ بأنفسنا أولاً قبل الجميع: مَن أنا؟ وماذا أريد؟ توقفت يدي عن الكتابة، وشرد الذهن مني إلى غياهب الزمن الغابر، وأخذ شريط الحياة يمرّ أمام عينيّ. هذه دعوة إلى التفكير بخطّ الزمن الخاصّ بكلّ شخص، وما يحتويه من ماضٍ، وحاضر، ومستقبل آتٍ بمشيئة الله(عزوجل) ، وكيف يا تُرى نستطيع أن نستثمر كلّ ما فيه من دقائق. هناك مَن يقبع في كهف الماضي المظلم، ويستمرّ في التذمّر والتسربل بالآهات على الفرص الفائتة التي مضت لحال سبيلها بلا استثمار، إذ في النهاية ذهبت بلا خطّ عودة، فمن المهم أخذ العبر والأفكار الجديدة لعدم تكرار ما سبق، وهناك مَن يسجن نفسه في حاضر ويتوجّس خيفةً من كلّ همس يأتي من هنا أو هناك، ويقضي عمره بالتطيّر من كلّ ما يحيط به من حركات أو همسات، فالكلّ يَحوك له المؤامرات، والكلّ يكيد له، ومن بوتقة هذا التشاؤم كيف للمستقبل أن يكون واعداً بالخير، بل سيكون قد أسّس لجديد بائس حالك السواد. ونعود لنقول: مَن أنا، وماذا أريد؟ أنا إنسان خلقني الله(عزوجل) وأكرمني ومنحني كلّ نعم الدنيا، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِير مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)/ (الإسراء:70). فهل استطعت أن أشكر الخالق المنِعم على كلّ ما وهبني إياه؟ سؤالٌ يرسم لنا خارطة الطريق لمستقبل مزهر، فعندما أعرف نفسي سأتمكّن من شكر خالقي، وبها ستدوم النعم ومن ثمّ أخطّط لِمَا أريد على هذا الطريق النوراني، وسيكون ما أريده هو ما يُرضي الله(عزوجل)، لا أحيد عنه قيد أنملة أبداً، فهذا الخطّ هو بوصلة الأمان لي ولمَن حولي، وهو ما يقيني من الزلل. جميلٌ أن نأتي بورقة وقلم ونرسم دائرتين، تحتوي إحداهما على كلمة: مَن أنا؟ والأخرى على: ماذا أُريد؟ وأبدأ باستخراج أسهم من كلّ دائرة، وأكتب كلّ ما يخطر في بالي من عبارات إيجابيّة عن نفسي التي هي لله(عزوجل)، وعن طريقي الذي أخطّه بيدي ليوصلني إلى الصراط المستقيم، ألا وهو رضا الله(عزوجل) والتمسّك بحبله المتين، خطواتٌ بسيطةٌ ذات أثر بالغ في تحديد الوجهة الجميلة لنا.