رياض الزهراء العدد 147 لنرتقي سلم الكمال
ضَنِين
تُدَفّئ إحداهنّ الأخرى منذ زمن طويل، مكدّسات ومرصوصات بعنايةٍ فائقة في صندوقه الخشبيّ القديم، تلك حال دنانير البخيل ومَن ضنّ على نفسه وأهله بما رُزق من خيرات، فكانت نتيجة شحّه أن عاش عيشة البؤساء، وحُوسب حساب الأغنياء. إنّ هذا النوع من البخل صريح جلّي، وتبعاته مكشوفة للعيان كانبلاج الفجر في كبد السماء، فما هو البخل الخفيّ؟ يتسلّل منقّباً مختبئاً ليدخل في بيوت خرست جدرانها عن البوح، فتراها واجمةً صامتةً، إنّه البخل المعنويّ. لقد حبانا الباري (عزوجل) بمشاعر متأجّجة وعواطف مرهفة ورحمة نتقاسم أطرافها فيما بيننا، فلا بدَ لهذه الأمور من ترجمةٍ وفعلٍ، فالكلمة الطيّبة ترجمان تلك العواطف، يبخل بها البعض على أقرب الناس إليه، فتتعطل آلة الحياة الإنسانيّة إذ لم نملأها بوقود الألفاظ المنسابة من القلوب. فقد تحاول الزوجة إخراج كلمة تواسي بها زوجها المتعب، فتغصّ بكلمتها فلا تقوم بإخراجها، حيث تنهال عليها حِجَار فرضيات التمسّك بالقوّة وعدم الرضوخ وتوصيات صديقاتها أن لا تغرقه بدلال يفسده، فتبتلع الكلمة التي تتحول إلى داءٍ إذا لم تطلق سراحها لتحلّق في فضاء المودّة الزوجيّة. وتتأمل بعينيك مشهداً آخر لزوجٍ أخذ منه البخل المعنويّ مأخذه، فلم يطبع قبلة تزهر على وجنة طفل من أطفاله، وهذا مَن قال عنه رسول الله(صل الله عليه وآله وسلم): «إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك فما أصنع بك». فإذا كان ركنا البيت يعانيان من هذا المرض المعدي فمن المؤكّد أنّه مستشرٍ في بقيّة أفراد العائلة، فالأمّ التي هي منبع الحنان كما درج الناس أن يسمّوها قد جفّ نبعها وأجدب أبناؤها، فمن الذي سيروي هذا القحط العاطفي بماء منهمر؟ فاحذف علامات التعجّب وإيماءات وجهك البائسة عندما تسمع أنّ ابناً قتل أباه أو بنتاً هدّمت أسوار التقاليد، بل تعجّبْ وضَعْ ألف علامة استفهام حين يفرّ الأبناء ليبحثوا عن أحضان تأوي غربتهم وحين يستسقون من يرفع ظمأ أرواحهم ومشاعرهم الملتهبة. ونحن في هذا المقام لا نعمّم، بل نحاول أن نزيح ستائر حجبت ضياء العطف، فهناك مَن جانب البخل وحذا حذو النبيّ الأكرم وأهل بيته(عليهم السلام) في نشر الحبّ وبسط الوئام، فغدت بيوتهم جنّة ينعم أصحابها بظلالها وطيب ثمارها. فكم من الأجر وكم من النفع الحاصل في توزيع الحنان ومشاطرة السلام! ها هي أحاديث العترة الطاهرة تميط اللثام عن ثواب جزيل لمَن قبّل طفله وحضن أخاه وهمس لجاره بكلمة تسعده، فمنها قوله(صل الله عليه وآله وسلم): «أكثروا من قبلة أولادكم فإن لكم بكل قبلة درجة في الجنة مسيرة خمسمائة عام». وعنه(صل الله عليه وآله وسلم): «إذا نظر الوالد إلى ولده فسرّه كان للوالد عتق نسمة، قيل: يا رسول الله وإن نظر ستين وثلاثمائة نظرة؟ قال: الله أكبر». فلنعوّد ألسنتنا على طيّب الكلام، وإفشاء السلام، ولندرّب أيدينا على الترتيب على كتف المنهكين من ضنك الحياة، ولتكنّ أحضاننا واسعة بسعة السماء، لنطوف في كعبة الدين، فما الدين إلا الحبّ. الأسئلة 1- ما معنى البخل؟ 2- هل للبخل أنواع؟ 3- أكملي الحديث الشريف:» أكثروا من قبلة...»؟ أجوبة الموضوع السابق 1. وقدّ جعلك الله حرّاً. 2. إنّ لم يكن الإنسان ذا دين، ويخاف يوم المعاد، فلا يصبح عبداً لغيره يسيّره كيف يشاء، فيفقد كلّ شيء حتّى إنسانيّته وشرفه واستقلاله، ولا أقلّ من تحكيم العقل والفطرة ليتّخذ القرار الصحيح. ................... (1) ميزان الحكمة: ج11، ص357. (2)مستدرك سفينة البحار: ص1. (3)روضة الواعظين: ج1، ص441.