مَا هِيَ نَظرَتُنَا إلى بَرَامِجِ الوَاقِعِ الاجتِمَاعِيِّ على الشَّاشَةِ الفِضِّيَّة؟
كيف يمكن للشاشة الفضيّة الحفاظ على تماسك الأسرة وصون هويتها الثقافيّة، وسط أنواع مختلفة من البرامج الاجتماعيّة المتنوّعة التي تربعت على عرش اختيارات المُشاهد، فتوغّلت في تفاصيل الحياة الإنسانيّة، مولّدةً نمطاً ثقافيّاً، ومساحةً واسعةً لطرح مجموعة من المشكلات التي يعاني منها أفراد المجتمع العربي؟ سؤالٌ يطرح نفسه بقوّة على الشارع العربي في أيّامنا هذه، وفي خضّم المتغيّرات التي تحدث من حولنا: ما دور هذه البرامج في بناء الشخصية العربية للناشئة؟ وهل يُعدُّ إرثاً جسّدته شخصيّات إعلامية مؤثّرة في شباب اليوم؟ وهل جعلتنا نعيش من دون معزل عن زمن السلف الصالح؟ المصباح السحري في هذا السياق تشير السّيّدة حنان الشرفاء/ معلّمة رياضيات بقولها: أعدّها برامج هادفة ومعطاء لجعل الإنسان في حالة انتباه ويقظة عن طريق فهم المجتمع وما يعتريه من مصاعب، وإيجاد حلول لها، مثلما قال رسول الله(صل الله عليه وىله وسلم): «ألا كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم» فهذه البرامج استطاعت أن تحجز مساحة في قلوب الكثيرين ببساطة الأسلوب وعدم التكلّف، ونرى ردة الفعل على وجوه مَن تقدّم لهم يد المساعدة، وهذا إن دلّ إنما يدلّ على مقدرة الأشخاص على إيجاد حلول نفسيّة سهلة وبسيطة، وأعدّ هذه اللحظة كالمصباح السحري للمحتاج، مثلما أنها تعطي أهميّة كبيرة لشريحة المستحقّين للمساعدة، وأنّ برامج كهذه قد لا تستطيع الوصول لكلّ محتاج، إلّا أنّها في نظري قد تُلهم الآخرين ليبدأ الشباب ولو بشيء بسيط، ويكون بذلك لنا القرار، إمّا نبقى متفرجين فقط أو نُسهم في تلك الأعمال الخيرية. مؤثّرات إيجابيّة من جهتها عبرّت طالبة ماجستير الهندسة المعمارية شمس الحداد بقولها: الضمير والوجدان وحبّ العطاء واحترام الآخرين، أشياء من فطرة الإنسان، وتتغذّى بالتربية السليمة، لذا لا أرى في هذه البرامج أيّ فائدة أو منفعة في تغيير واقعنا العربي. اللهجة البيضاء بدورها تعوّل الطالبة كوثر الحسيني/ طالبة بكالوريوس، قسم العلاج الطبيعي (ميزو ثريبي) على دور الإعلام الذي يقضي بضرورة منح المشاهد العربي مساحة من التفاؤل، وإيجاد حلول لجميع الجوانب النفسيّة منها والاجتماعيّة، وآخر مطاف فائدتها في الجانب المادّي. وعدّت الجانب الإعلامي منصّة لتعليم السلوكيات الجيّدة في التعامل عن طريق ابتعاده عن إحراج المحتاج لضمان صنع حلقة إنسانيّة إعلامياً ومؤثرة نفسيّاً، فهو يتحدّث مع الشخص المنشود وكأنّه صديق بلهجة بيضاء، وما هي إلّا مادّة تحفيزيّة لشباب المجتمع العربي. وبات الإعلام العربي في الآونة الأخيرة يفتقر إلى المواضيع البنّاءة وصار الطرح هابطاً جداً، وكأنّهم يستخّفون بعقل المشاهد؛ لذلك جاءت برامج المساعدات الإنسانيّة جرساً منبّهًا لتوقظ مَن غفا وتعمّم الإحساس بالمسؤوليّة اتّجاه شرائح مهمّشة في المجتمع، وتجعله واجباً على كلّ الأفراد واستكمالاً لطريق الأجداد في حلّ المشكلّات الاجتماعيّة. طرق الخير وأبوابه في المقابل ترفض الطالبة فاطمة الأسدي في المرحلة الثانوية فكرة البرامج الاجتماعية لمساعدة المحتاجين قائلةً: أرى أنّ الإعلام العربي متّجه نحو المنحدر الأخلاقي، لقد ضاعت تلك القيم والمبادئ وصار التركيز الأكثر على الأمور التجارية والاقتصادية بعيدًا كلّ البعد عن المحتوى الأساسي كضمير الإنسان العربي، وأعدّها برامج تريق ماء وجه المحتاج، فهناك طرق للذي يريد الخير يعرف بابه. الرصاصة السحرية أمّا مسؤول الإعلام الرقمي في العتبة الحسينيّة المقدّسة الأستاذ ولاء الصفّار فقد أشار إلى أنه لا يخفى على المتتبّع أنّ القنوات الفضائية تقدّم برامجها بما يتناسب مع رغبة المموّل لها، وبطبيعة الحال أنّ هذا المموّل يكون أحيانًا فردًا أو جهة معينة، ومن ثَمَّ أصبح المُشاهد اليوم في ظلّ العدد المتزايد من القنوات الفضائيّة خصوصًا مع الغياب الواضح للبرامج الهادفة، أسيرًا للأجندات والأفكار التي تروّج لها تلك القنوات، ولكن بأسلوب يتناغم مع ذائقته. وبالعودة إلى نظرية الرصاصة السحرية في الإعلام فهي عبارة عن رسالة لشدّ انتباه المشاهد لها كالرصاصة التي لا تخطئ الهدف وقد تحتاج إلى مدة للإقناع، ومن هنا ظهرت البرامج التي تهتمّ بثقافة وعادات المجتمعات وعاداتها، إلّا انّه عند تحليل مضمون تلك البرامج نجد أن بعضها يهدف إلى ترويج العادات الشاذة أو السيئة أو تسقيط المجتمع العربي، وبعضها يتم العمل به بشكلّ عفوي، فهو يحمل الإيجابيات والسلبيات في آن واحد، لأنّه لم يُعمل وفق خطط مدروسة، بينما النوع الآخر من البرامج يكون الهدف منها إظهار صورة إيجابيّة أو سلبيّة لمجتمع معيّن أمام المجتمعات الأخرى. وهذا لا يعني خلو الساحة الإعلاميّة من البرامج الموضوعيّة التي تهدف للارتقاء بالواقع إلّا أنّها قليلة على الشاشة الفضيّة، ولعلّ السبب وراء هذه الكثرة والتحوّل الكبير في طبيعة البرامج يأتي نتيجة ابتعاد دول العالم عن لغة البارود في صراعها، وحروبها، واللجوء إلى لغة الإعلام، فضلاً عن التطور التكنولوجي في وسائل الإعلام، وسرعة الوصول للمشاهد والتفاعل اللحظي، وغياب جانب الرقابة. لا للرمادية ومن جانبه أوضح المخرج التلفزيوني حمزة محمد فيحان أنه: مع التطوّر في وسائل الإعلام ظهرت العديد من الأفكار التي أسّس لها متطوعون من الناشطين في المجال المدني والإنساني، فظهر لنا مصطلح التجربة الاجتماعيّة التي تهدف إلى معرفة ثقافة المجتمع بشأن موضوع معيّن، ونجد من أطلق تجارب كهذه هم الشباب على منصّات التواصل الاجتماعي، فعملت وسائل الإعلام المرئية على عرض تلك البرامج على الشاشة الفضيّة؛ لغرض كسب أكبر عدد من الجمهور المتابع للقناة كوسيلة إعلامية، ولهذا النوع من البرامج أهميّة كبيرة من الناحية الاجتماعية لدراسة مستوى الوعي لدى الناس الذين يدخلون في إطار التجربة، وتنبيههم على الالتفات إلى بعض الأعمال السلبيّة المحيطة بهم، وأيضاً وتختلف التجارب في أنواعها ومعالجاتها، فمنها ما يعالج ظاهرة، ومنها ما يعالج قضايا اجتماعيّة، لتتجلّى أهميّة التجربة الاجتماعيّة في أنّها تُبنى على العفويّة في التعامل مع الجمهور المستهدف بالتجربة، والابتعاد عن التصنّع في خلق أحداث التجربة وإدخال الجانب التمثيلي فيها، والتمييز لمجتمع الشباب بين الأبيض والأسود في المعاملات الأخلاقيّة، والاجتماعيّة أي لا رمادي فيها. قالوا عن السعادة هي الراحة والرضا والأمان والسلام، ونرى السعادة جنة احتوت كلّ ما قالوا، ليس بيننا وبينها سوى أن نعمل بقيمها عطاءٌ بلا شروط ولا منّة، تلك هي الجنة.