وَقِّرُوا كِبَارَكُم يُوَقِّرْكُم صِغَارَكُم

فاطمة صاحب العوادي/ بغداد
عدد المشاهدات : 301

بوجه باسم وقور وتحيّة طيبة دخلت أمّ عليّ ومعها أم زينب المجلس المعتاد للثلّة الطيّبة، المجلس هذه المرّة يضجّ بالحيويّة والدعابة لحضور زهرات الحياة، تلك الوجوه النضرة سجّلت تأثيراً إيجابياً في نفوس الثلّة الطيّبة، كانت أول بشائرها قيام الفتيات من مقاعدهنّ للتحيّة، وتسابقهنّ في فسح المجال لجلوس السّيّدات القادمات، أخذت الحاضرات مجلسهنّ وبادرت أمّ عليّ وعلامات الارتياح بادية على وجهها قائلة كيف حال بناتنا الجميلات؟ أخذني هذا الموقف - أعني قيامكنّ عند دخولنا - إلى تذكّر خلق كريم من أخلاق ديننا الحنيف، وقد أكدّ عليه نبيّنا الأكرم وأهل بيته(عليهم السلام). أمّ حسين: نعم، قد جاء في كلام أهل البيت(عليهم السلام) «ليس منّا مَن لم يرحم صغيرنا، ولم يوقّر كبيرنا». زينب متسائلة: إلى هذا الحدّ يا خالة؟ أمّ عليّ: يا حبيبتي، تعلمين أنّ قوّة أيّ مجتمع أساسها الترابط والتماسك بين إفراده، وكبار السنّ هم أفراد عاشوا مدة أكثر، ولهم خبرات وتجارب حياتيّة جديرة بالاعتبار. زهراء: أنا أحبّ أحاديث جدّي وقصصه التي يختمها دائماً بحكمة. أمّ حسين: إنّ التقدّم في السن وتراكم الأحداث والخبرات تجعل الكبير في وضع خاص. أمّ نور: لذلك يجب عند التعامل معه مراعاة الوضع النفسيّ والإنسانيّ له. تقى: أنا أحبّ كبار السن، ولكنّهم لا يبالون بآرائنا يعدّون ما يقولون هو الصحيح فقط. أمّ زينب: ليسوا كذلك حبيبتي، إنّهم بحاجة إلى أسلوب خاص لإقناعهم. أمّ عليّ: لو طالعنا رسالة الحقوق لإمامنا السجّاد(عليه السلام) لوجدنا النقاط الأساسيّة في كيفيّة التعامل معهم. أم سجّاد: أول حق هو (توقيره لسنّه وإجلاله لتقدّمه في الإسلام قبلك)، يعني احترامه والإشادة بجهده وأخذ آرائه بنظر الاعتبار. أمّ عليّ: كذا ما ورد في الرسالة: (ترك مقابلته عند الخصام، ولا تسبقه إلى طريق، ولا تستجهله وإن جهل عليك)، فينبغي عند مناقشته مثلاً أن لا تشعره أنّه مخطئٌ أو تتجاهل رأيه وإن كان مخطئاً بالفعل. زينب: خالتي الحبيبة، وكيف أبيّن له خطأه؟ أمّ حسين: ربّما يكون أسلوب الاستفسار والتساؤل هو الحلّ الأفضل، مثلما فعل الإمامان الحسن والحسين(عليهما السلام) عندما أرادا تعليم شيخٍ كيفية الوضوء. أمّ عليّ: تعلمنّ حبيباتي كذلك من حقّ الكبير أن لا تسابقه في طريق، فيجب ان تفسح المجال له كي يمرّ. أمّ زهراء: لقد أكّد أهل البيت(عليهم السلام) في أحاديثهم على توقير الكبير بشكل لافت نستشفّه من حديثٍ للإمام الصادق(عليه السلام) إذ قال: «ثلاثة لا يجهل حقّهم إلا منافق معروف بالنفاق: ذو الشيبة في الإسلام، وحامل القرآن، والإمام العادل». أمّ سجاد: لا شكّ في أنّ لهذا التأكيد آثاراً إيجابية في تماسك المجتمع، ونشر ثقافة الاحترام، وحفظ الحقوق المعنويّة والنفسيّة، الكبير إذا ما وجد الاحترام والتقدير من مجتمعه أُعطي شحنة من الأمل والثقة بالنفس والمشاركة في أمور الحياة، فالإنسان مكرّم عند الله(عزوجل) يريد به خيراً في كلّ حال. زينب: مَن يتعامل مع الكبير عليه أن يضع في حسابه أنّه قريباً سيكون مثله، فكيف يحبّ أن يعامله الناس، أليس كذلك؟! أمّ عليّ: أحسنت يا ابنتي. زهراء: ما أجمل أخلاقيات ديننا، ولكن يا للأسف يجهلها كثيرون ولا يطبّقها مَن يعرفها. أمّ زينب: كلّا يا ابنتي، بكنّ يا براعم الإسلام النديّة ويا نساء المستقبل الصالحات، ما يراه الناس فيكنّ من خلق وأدب سيكون تطبيقاً عملياً نافعاً إن شاء الله. .................... (1) مشكاة الأنوار: ج1، ص13.