رياض الزهراء العدد 146 لحياة أفضل
نُسُورُ الَّرحْمَةِ الَيدُ الخَفِيَّة
جلست جدّتي وجلسنا حولها، وكانت تقصّ علينا قصّة في كلّ ليلة، تعلّمنا فيها كيف نواجه الحياة، وفي أحدى الليالي وهي تقصّ علينا قصّة كعادتها، إذ قالت: اليوم سأقصّ عليكم قصّة عن النخلة المريضة، وكيف واجهت مرضها وبقيت صامدة، فقالت: كان هناك فلاح له بستان جميل، فيه نخيل جميل المنظر، وأشجارٌ طيبة الثمّار. وكان هذا الفلاح يذهب كلّ يوم لكي يعتني ببستانه، وكانت من مجموعة تلك النخيل، نخلةٌ مريضة لا يوجد لديها سعف أو ثمارٌ، وكانت شبه الهاوية على الأرض، وكان الفلّاح لا يهتمّ بها لأنّه كان يظن أنّها لا تصلح؛ كونها بلا فائدة رغم صغر عمرها، وفي أحد الأيّام استوقفت تلك النخلة امرأة كانت تأتي كلّ يوم إلى البستان لتجمع الحطب، فنظرت إلى النخلة المسكينة التي لا حول لها ولا قوّة، وقرّرت في داخل نفسها أن تعتني بتلك النخلة المريضة، فأتت إلى صاحبها الفلاح وقالت له لماذا لا تعتني بتلك النخلة، فإنّها من النخيل الجميلة، وصاحبة ثمّار مميّزة؟ فقال لها: إنّها نخلة مريضة ولا حاجة لي بها، فقالت له: هل أستطيع أن أعتني بها، فقال الفلاح للمرأة: افعلي ما يحلو لكِ فهي نخلة ميؤوس منها، فقالت: لا يأس من رحمة الله(عزوجل)، ستعود الحياة إن شاء الله(عزوجل) لها، وبقيت تلك المرأة تعتني بها وتعالجها بالعلاجات اللازمة والخاصّة بالنخيل وتسيقها واستمرت على هذا الحال لمدّة طويلة جداً، ولم تيأس، وفي ذات يوم أتت إلى المزرعة وإذا بها ترى أوراقاً خضراء جميلة وصغيرة قد ولدت لتزهو من جديد، وهذا زادها إصراراً على أن تعتني بها أكثر فأكثر، وفي العام الجديد أصبحت تلك النخلة أجمل ما في ذلك البستان، وكلّ الأنظار تتوجه إليها لِمَا لها من منظر وثمّار لا مثيل لها من بين النخيل في البستان. أمّا صاحب البستان فقد ندم على شعوره باليأس وعدم اهتمامه بها، وإنّ رجوع الحياة لتلك النخلة كان بمشيئة الله(عزوجل) ، ثمّ بفضل عقيدة تلك المرأة برحمة الله(عزوجل). إنّ مثل النخلة كمثل بعض الأطفال الذين يعانون من أمراض مزمنة، ومنها أمراض ميؤوس منها، وعوائلهم يائسون منهم، ولكنّ هنالك نسور رحمة الله(عزوجل) التي هي فوق رحمة الجميع، وكم من مرضى ومرضهم مزمن أصبحوا علماء ندرس بحوثهم. إنّ إصرار تلك المرأة على تحمّل مسؤوليّة النخلة المريضة لا يختلف على إصرار وتحمل أولياء الأمور مسؤولية أطفالهم المرضى لكي يساعدهم على أن يواجهوا الحياة بما فيها ويكونوا لهم السند، لا كالفلّاح الذي هجر النخلة بحجّة أنّها مريضة ولا تصلح لمواجهة الحياة، وكيف ينسى الإنسان أنّ الله(عزوجل) هو أرحم بعبده، لأنّه هو الرحيم فعندما ينقص منّا شيء يعطينا الله(عزوجل) شيئاً أقوى لمواجهة الحياة، لكي يكون لنا سنداً نتكئ عليه من بعد الله(عزوجل)، فأنتم لا تعلمون كم من يد خفيّة سخّرها الله(عزوجل) لكي تمتدّ إلى تلك النخلة المريضة.