رياض الزهراء العدد 77 معا نحو الظهور
الإمامُ المَهديُّ والتَنمِيَةُ البَشرِيَّة
إذا كانت حركة الرسالات الإلهية منذ نبيّ الله آدم (عليه السلام) إلى النبيّ الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله) تستهدف إنضاج العقل البشري لتقبّل فكرة الدولة الواحدة والدين الواحد، فإن الحركة المهدوية تستهدف نقل البشرية من واقع التشتت والظلم والجور، وانتشالها من براثن التفكك والضياع الذي مارسته العقائد الدينية المنحرفة للأديان المختلفة, فالحركة المهدوية بطبيعتها تتركز في تأثيرها الفكري والروحي والنفسي على تطوير القدرات العقلية للأفراد وصولاً إلى صياغة ذهنية متقدمة للمؤمنين تتمكن عبر الزمن من توظيف الوسائل العلمية والمعرفية المتاحة لكلّ عصر لتطوير وسائل الانتظار وتوريثها للأجيال اللاحقة. 1-الانتظار والتنمية البشرية: يهتم برنامج التنمية البشرية كعلم تربوي معاصر بمفردات تُعدّ حيوية في حياة الإنسان والمجتمعات، فهو يركز على جعل الإنسان يفكر بإيجابية ويهدف إلى تنمية مهاراته الفردية من خلال التعرف على مواهبه وطاقاته وتحفيز قابلياته الإبداعية وكيفية الإدارة الصحيحة للوقت واستثمار الوسائل المتاحة في حياته، قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)/ (القصص:5) وقد تكرر الجعل في الآية المباركة مرتين لتوكيده وتأكيد موروثية الفقراء الموالين المنتظرين للأرض وما عليها وراثة كاملة غير منقوصة, وقد جاء في كمال الدين، باب26، ج14، ص303 أنّ الصدوق روى بسنده عن الإمام الجواد(عليه السلام)عن آبائه عن أمير المؤمنين(عليه السلام)أنه قال: “للقائم منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته، يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقسَ قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة” لاحظ المنزلة العظيمة التي يعطيها الإمام للمنتظر الثابت على انتظاره بلا شكوك وبلا قسوة من قلب؛ لأن القسوة تُضعف الإيمان وهي باب يُفضي إلى الانحراف بالعقيدة عن مسارها الصحيح. ولو لاحظنا الأحاديث التي قيلت في حقّ المنتظرين نرى أن القرآن الكريم والرسول الأعظم والأئمة الأطهار(عليهم السلام) يُغذّون عقول ونفوس المؤمنين بأمل كبير وجميل يجعلهم يتجاوزون محن الظلم والجور، بل ويستفيد من هذا الغذاء الروحي باقي المسلمين، والأمل الإيجابي هو من المفردات التي يركز عليها علماء التنمية البشرية للمساهمة في بناء حياة الإنسان الحالية والمستقبلية، فكلّ مَن يعتنق الفكر المهدوي يصبح انتظاره عاملاً إيجابياً متحركاً مبنياً على عقيدة الإسلام الحقيقي التي تؤكد حتمية ظهور الإمام وحاكميته المطلقة على كلّ ما في الكون، ومن ثمَّ يترسخ الاعتقاد لدى المؤمن المنتظر بأن كلّ ما في الوجود ينتظر ظهور الإمام المهدي(عجل الله فرجه) مثله. 2-التنمية البشرية للأطفال والفكر المهدوي: يجب التركيز على شريحة الأطفال فلذات الأكباد الذين يجب أن يتربوا في بيئة الانتظار الصحية ممّا يستدعي جهداً استثنائياً من كلّ الأطراف التي لها علاقة بهم (العائلة، والمدرسة، والجهاز الإعلامي المقروء والمسموع والمرئي، ورجال الدين والفكر والثقافة والأدب والسياسة، والدولة بكلّ مؤسساتها التربوية والتعليمية) ولعلّ أهم ما يجب تقديمه للطفل في هذا العصر هو صورة مشرقة عن حقيقة الإمام المهدي (عجل الله فرجه)فهو ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)ونفسه الرؤوف الرحيم الحبيب الجميل الذي يحبّ الناس جميعاً بلا تمييز، ويجبّ أن نعمل على تبسيط المعلومة المهدوية كتابة وتصويراً؛ لكي تدخل في ذهن الصغير سلسة واضحة بلا تعقيد معتمدين على وسائل التكنلوجيا الحديثة التي يسّرت الاتصالات والكتابة والتصوير، والابتعاد عن كلّ ما يشوّه صورته الرائعة كقائد ربانيّ، كبعض الروايات المغرضة والتي تسعى إلى تشويه صورة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)التي تصوّره يقطع رؤوس الخلق ويسفك الدماء حتى إن بعضهم يتمنى في قلبه (عدم ظهوره) خوفاً منه، إن أخطر ما يمكن زرعه في أذهان وعقول الصغار هي صورة (الإرهابي) المرعبة التي تريد جهات الظلام وقادة الكفر أن تروّج لها بيننا عن حبيب قلوبنا وإمام زماننا وهو الذي قال عنه جدّه علي بن الحسين(عليه السلام)بأنه يضع يده على رؤوس العباد فيجمع عقولهم وتكمل أحلامهم، هذا المصلح العالمي لا يُقاتل إلا من يشهر السلاح بوجه دولته ليمنع قيامها. إنني أدعو كلّ قلم وفكر وعقل متخصص من أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام)إلى ترويج ثقافة مهدوية ميسرة للأطفال وصناعة برامج تعليمية تربوية وتنموية متخصصة يمكن أن تدخلها المؤسسات التعليمية ضمن مناهجها التدريسية، خاصة أنّ الفكر المهدوي والدولة الموعودة لا يختلف عليها المسلمون إلا في الجزئيات، ويمكن اعتماد هذه البرامج كأساس لتنمية هذه الشريحة المهمة تنمية بشرية منظمة وعلمية.