التّعلِيمُ العَالِي وَاقِعٌ وتَحَدِّيَات

سوسن بدّاح خياميّ/ لبنان
عدد المشاهدات : 222

إنّ أزمة التعليم العربي مستعصية، ومن المتعارف عليه أنّه في سبعينات القرن الماضي وصل التعليم إلى القضاء على الأميّة، وكانت الجامعات العربيّة في طليعة التصنيف العالميّ للجامعات بشهادة المنظمات الدوليّة، وكانت مقصداً للطلاب الأجانب. أمّا حاليّاً فالتعليم العالي يعاني من التدهور في ظلّ الوضع السيّئ وظروف البلاد العربيّة الصعبة حتّى أصبح في الحضيض، فالجامعات تفتقر إلى أدنى الاحتياجات والشروط الداعمة للطالب في تخصّصه كالمختبرات والمعدّات ووسائل الإيضاح المتطوّرة وغيرها فضلاً عن المشكلة الأكبر وهي الضعف في مستوى الملاك التعليمي، والنقص في العدد المطلوب من الأساتذة والمناهج بحاجة إلى إعادة النظر والتطوير؛ لأنّها قديمة، وقلّة الأبنية الجامعيّة وضيق مساحتها، ومشكلة عدم الاهتمام بالمتميّزين منهم والعباقرة والمبدعين، أمّا أزمة البطالة بعد التخرّج فحدّث ولا حرج، هذه الأسباب وغيرها أفقدت التعليم العالي العربي مؤشّر الجودة والتميّز لتدنّي المواصفات اللازمة وتعرّضه للتدهور المستمر. إنّ التعليم هو مقياس التطوّر، والشباب المتعلّم هو واجهة البلد الثقافيّة فإن لم يتمّ الاهتمام بتعليمه، وتوفير المساحات لتفريغ طاقاته بشكل سليم، سوف يلجأ الشباب إلى السلوك الطائش والعدوانيّ والتخريبيّ، خاصّة بعد أن حلّت المقاهي ودور الألعاب بديلاً عن المكتبات العامّة والمراكز الثقافيّة والنوادي الرياضيّة؛ لأنّ الطالب الجامعيّ فاقد الثقة بجامعته وبتأمين فرصة العمل له حتّى أصبحت الجامعة مكاناً للترفيه والتعارف والتسلية واستعراض الأزياء وتسريحات الشعر، ومتنفّساً للشباب من الضغوط الاجتماعية والأسريّة، ومن ناحية ثانية مشكلة انعدام الأمن وتدخّل العشائر والعادات والتقاليد، كلّ هذا يتحكّم بواقع الطالب ومستقبلة ومصيرة. من هنا يتبيّن أنّ التعليم العالي بحاجة ماسّة إلى الإصلاح وإعادة تمكينه عن طريق النهوض به بتكاتف القادة السياسيين والإداريين، والجمعيّات ومنظّمات المجتمع المدني، وذلك بوضع خطّة إنقاذ وإعلان حالة طوارئ، وعلى الجميع أن يدرك مخاطر التهاون واللامبالاة والإهمال لهذا القطاع الذي يشكّل القوّة الداعمة للتنمية والتطوّر والنهوض بالبلد نحو الإصلاح وإنقاذ الشباب من الضياع. علينا السعي لمعالجة الغش ومنعه في الامتحانات، وملاحقة مَن يتاجر بوسائله أو يشجّع عليه ومتابعة الجهات التي تحاول تدمير التعليم بكلّ مستوياته، إذ إنّ هناك عصابات تحاول السعي لهذا التدمير عن طريق بيع وسائل الغش الإلكترونية المتطوّرة، والسعي لتسريب الأسئلة من أجل الكسب الماديّ الكبير عبر نشرها وبشكل علني بين الطلاب. السعي لمحاسبة العصابات التي تعمل على استمالة الطلّاب وابتزازهم بمبالغ كبيرة، والعمل على ملاحقتهم أمنياً، وحثّ الطلبة على مواجهتهم بمزيد من الاجتهاد والنجاح والتفوّق، إنّ إشاعة وسائل الغش علنيّاً هي وسيلة من وسائل إضعاف المجتمع علمياً، ودفع الأجيال إلى المزيد من الإخفاقات، ونشر الجهل بين أوساط المتعلّمين. التشديد على أساتذة الجامعات والمراقبين والإداريين والعمداء ورؤساء الجامعات والمشرفين بأن يتعاملوا مع هذه الحالات بحزم شّديد وعدم التهاون فيها كون ذلك واجباً وطنيّاً، ومسؤوليّة لا تهاون معها؛ لأنّها تؤثّر في الأجيال القادمة وفي المنظومة التعليميّة كلّها، لأنّ الذي يغشّ الآن سيكون مدرّساً مستقبلاً، ولابدّ من أن يؤثّر ذلك في أداء عمله بشكل صحيح. الاهتمام بسكن الطلبة كونه يمثّل الراحة النفسيّة والجسديّة لهم، وله تأثير مباشر في المستوى التعليمي للطالب. وهناك أمور كثيرة مهمّة ترتبط بالتعليم وتؤثّر في المستوى التعليمي يصعب ذكرها على هذه العجالة.