رياض الزهراء العدد 147 الحشد المقدس
تَحَايَا النَّخِيل
مُذ أعشبَ في داخلها، حلمت به فارساً لا يُسبق، رجولته ستصيّرها ملكةً يهابها الناس، سيتغيّر اسمها فورما يبزغُ اسمه، سيكون ظلّها وحارسها الأمين. وهكذا كان، كلّما نظر إليها وجدها تُحدّقُ فيه، وكأنّها ترقب غرسها الذي أخذ ينمو شبراً فشبراً، صوتها الثابت ونبرتها الشمّاء جريا في عروقه حتّى بلغَ رجلاً مقداماً بقلبٍ حنون، (لا تدفعنّكَ يا ولدي الرغبة في السلامة إلى التخلّي عن شهامتك، مرّة واحدة من الخذلان قد تجعلني أُطأطئ رأسي عُمراً). شبّ الفتى وهو يرضع من عينيها شهامةً وكرماً ونبلاً ومحبةً، حتّى جاء اليوم الذي فيه استغاثت جراح الأزقّة بأبنائها، حين أسفر وجه الإرهاب عن لثامه، هبّت النار في دمه لكنّه خشيَ أن تصرفه نخلته الأم عمّا نوى.. نظر في عينيها فوجدها تحدّق فيه مثل كلّ مرّة، فَهِمتْ.. وفَهِم.. أسرع حصن عزّتها المأمول ليكون جزءاً من صفٍّ كأنّه بنيان مرصوص، ينفّذ وعود الشهامة، ويقتلع عيون البغي من محاجرها، وكلّما عاد إلى أمّه شدّت على ساعده، وعوّذت روحه بآيات الجهاد والبسالة، أمطرت كفّيه بقبل المحبة والعطاء، فيعود إلى موقعه في أرض الحرب منتشياً بالفخر، راسخاً كجبل أشمّ متحمساً للبذل أكثر، يخاف أن يُؤثر السلامة فتنحني هامة علّمتهُ العزة والإباء. حتّى عاد يوماً مزّينًا بجراحه، يحمله رفاقه في صندوق خشبي. حين آنست ريحه انتصبت، حدّقت بجثمانه المحمول، ألقت عليه تحيّة عسكرية صامدة، ونظرة أخفت حزن الكون وناره كلّها.