رياض الزهراء العدد 147 منكم وإليكم
وَاقِعَةُ الحَرَّة
تمثّل واقعة الحرّة التي حدثت سنة 63هـ حدثاً أليماً في تاريخ الأمّة الإسلاميّة، لاسيّما تاريخ مدينة الرسول محمد(صل الله عليه وآله وسلم)، إذ كان من نتائجها أن انتُهكت حُرمة هذه المدينة المقدّسة لأوّل مرّة في تأريخها؛ نتيجة إعلان الثورة سنة 62هـ على الخليفة الأموي يزيد بن معاوية لأسبابٍ سياسيةٍ ودينيةٍ واقتصاديةٍ واجتماعيةٍ. جُوبهت هذه الثورة بالقمع من السلطة الحاكمة بعد معركةٍ ضاريةٍ حدثت عند حَرة المدينة من العام المذكور، ولم تكتفِ السلطة بذلك؛ بل أوصت قائد الحملة باستباحة المدينة لثلاثة أيّام، قُتل في أثنائها رجال ونساء وأطفال، وانتُهكت الأعراض، وأُسيئت معاملة أسراها ونُهبت دورها. ومن الأسباب التي أدّت إلى هذه الوقعة خلع أهل المدينة ليزيد، وتولية عبد الله بن مطيع على قريش، وعبد الله بن حنظلة بن أبي عامر على الأنصار، واتفاق الناس على إخراج عامل يزيد من المدينة، وإجلاء بني أميّة منها، فاجَتمع بنو أميّة في دارِ مروان بن الحكم وحاصرهم أهل المدينة فيها، وقد أنكر ابن عمر على أهل المدينة بيعتهم لابن مطيع وابن حنظلة على الموت. وقد أرسل يزيد جيشاً عدده خمسة عشر ألف رجل، وعلى رأسِهم مسلم بن عقبة، وقال له ادعُ القوم ثلاثاً فإن رجعوا إلى الطاعة فاقبل منهم وكُفَّ عنهم وإلاّ فاستعن بالله وقاتلهم إذ ظهرتَ عليهم، فأباح المدينة ثلاثاً، وبعد قتال شديد بين مسلم بن عقبة المريّ وبين أهل المدينة هُزِم أهل المدينة، واستُبيحت ثلاثة أيام وقُتل كثيرٌ من إشرافِها ونُهبت أموالٌ كثيرة، وقيل إنّ ألف امرأة قد وَلدت بغير زوج، وكان عدد القتلى 700 من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار. لقد أشاع مسلم بن عقبة الرعب في المدينة، وأخافها ونهبها، وقتل الكثير من سكّانِها، ثم بايعه أهلها على أنّهم عبيد ليزيد، وسمّاها النتنة، وسبق أن سمّاها رسول الله(صل الله عليه وآله وسلم) طيبة، فسُميّ مسلم هذا بمجرم ومسرف لما كان له من أفعال. خلاصة القول: إنّ ثورة المدينة عكست رأي أهلها تجاه ممارسات السلطة، وما يجب أن يكون عليه خليفة المسلمين، فكانت المدينة رائدةً -قياساً بالأقاليم الأخرى- في الوقوفِ بوجه الخلافة المحرفة لتصحيح مسارها، وأنّ أوامر يزيد باستباحة مدينة رسول(صل الله عليه وآله وسلم) لثلاثة أيام فتحت الباب لانتهاك حُرمتها فيما بعد، وكشفت معالجة الخليفة للثورة بقمعها بالقوّة عن مدى ما يكنّه لهذه المدينة من بغضٍ، فضلاً عن إظهار العصبيّة القبليّة التي نهى عنها النبي(صل الله عليه وآله وسلم) بعد الإسلام، إذ كان أحد دوافعه لخوض الحرب انتصاره لأقاربه من بني أميّة ممن طُردوا خارج المدينة وإعادة الهيبة لهم. وعكست الممارسات الإرهابيّة التي قام بها القائد الأموي وجيشه ابتعادهم الكامل عن المُثل والقيم السامية التي دعا إليها الإسلام ممثّلاً بالنبيّ الأكرم محمّد(صل الله عليه وآله وسلم) لاسيّما بعد الحرب، إذ أصدر مسلم أوامره لجنده بالإجهاز على الجرحى، وملاحقة الفارين من أرض المعركة، وأساء معاملة الأسرى وَتفنّن في معاقبتهم، وقتلهم، ولم يرحم طفلاً أو امرأةً ولا شيخاً، واستباح دور المسلمين، ونهب ممتلكاتهم وأنعامهم، وهو في كلّ ذلك كان منفّذاً لرغبة مولاه يزيد، بل غالى فيها. ................. (1)حيدر لفته سعيد، أساليب الدولة الأمويّة في تثبيت السلطة،النجف، مطبعة الميزان، 2015، ص 114. (2) شريف راشد الصدفي، ثورة المدينة المنورة وقعة الحرة، (لندن، مطبعة تشرين، 2017)، ص80. (3)محمد سهيل طقوش، تاريخ الدولة الأموية، بيروت، دار النفائس، 2006. (4)عبد الشافي محمد عبد اللطيف، دراسات في تاريخ الدولة الأموية، القاهرة: دار المعارف، 2009.