رياض الزهراء العدد 147 منكم وإليكم
ظَلَامُ الروحِ أَم المَكَان
لأوّل وهلة قد يُجيب أحدنا بأنّ الظلام واقع في المكان؛ لأنّ الإنسان بطبيعته يدخل الأماكن المنيرة ويتجنّب دخول الأماكن المعتمة؛ لكن هذا الأمر ليس حقيقةً ثابتة، فقد لا يكون ظلام المكان مخيفاً أو مرعباً بقدر ظلام الروح، ومثل هذا الظلام قد اجتاح أرواح بني العباس ونفوسهم، إذ كانت أرواحهم تحمل الرعب والخوف من بني هاشم أحفاد رسول الله(صل الله عليه وآله وسلم). وقد تجسّد ذلك الأمر بمحاربتهم للحصول على الحكم والسلطة والمحافظة عليها، ولكي يحقّقوا هدفهم وصلت محاربتهم بأن وضعوا مولانا الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) في قعر السجون ظناً منهم أنّ اختفاءه عن الأنظار وعن محبيه سيكون أماناً لهم. وهذا النهج سلكه المهديّ والهادي من بني العباس إلى أن وصل الأمر إلى هارون الذي امتلأت روحه عتمةً وظلماً، فقد أمر بسجن الإمام في سجن البصرة إلّا أنّ ظلام السجن صار نوراً وضياءً يُنير لمَن حوله، فظُلمة المكان لم تمنع من ظهور أنوار الإمام، فروحه(عليه السلام) كانت شمساً منيرةً لمَن حوله، حتّى أمر هارون اللعين بزيادة أنواع العذاب وقتل الإمام هناك. لكنّ هارون تفاجأ من ردّة فعل السجّان، إذ قال: كيف أقتل رجلاً يقضي ليله بالعبادة، ونهاره صائماً وصوته يحمل آيات القرآن الكريم وتراتيل الدعاء؟ لقد أضاءت روح الإمام قلب السجّان، ورفعت عنه غشاوة العتمة والظلام، وهنا زاد رعب هارون وخوفه كأنّه هو في عتمة السجن، فقد كان محبوساً بفكرة أنّ الإمام الكاظم(عليه السلام) سيأخذ الحكم منه، والسلطة ستنتزع من يديه، وهذا ما جعله ينقل الإمام(عليه السلام)إلى سجنٍ آخر ويكون في بغداد، ثم جعل عليه سجّاناً لقيطاً لا يُعرف له أبٌ، يُسمّى السندي بن شاهك الذي وضع مولانا بطامورةٍ مظلمة لا ترى عينه فيها بصيص النور، ولا يعرف روحي له الفداء الصباح من المساء. لكنّ روحه كانت تخاطب ربّ السماء، وتستنير بضياء المناجاة عن عتمة المكان، والطرف الآخر مازال مرعوباً خائفاً، فلم يكتفِ هارون بهذا، بل أمر سجّانه اللعين بدسّ السُّم في رطبُ يفطر عليه الإمام، وهنا انتقل النور وانبثق خارج السجون ليشعّ في أجمل بقعة من بغداد، ولكي يكون ضريحه باباً لكلّ محتاج، فصار نوراً يهتدي به الناس، ورمزاً لكلّ مظلوم انتصر على ظالمه، فالظلام لا يُحيط القلوب المؤمنة بالله، بل الظلام يعيش في القلوب التي فقدت إيمانها، وسكن الشيطان أرواحها، وهذه كانت روح هارون. أمّا مولانا الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام)، فهو شمس الله المشرقة بعلمه، ونوره، وبصره على مرّ الزمان والمكان.