رياض الزهراء العدد 147 منكم وإليكم
عَرَفَة ذَاتُ عرق
أشرفت الرحلة على الانتهاء، ولم يتبقَّ إلّا قليل حتّى أرى مكّة، ولولا خروجي من العراق قبل هذا الموعد لكنت قد التحقت بركب القاصدين إلى الله(عزوجل)، ولا أُحرم من ذلك الجلباب الروحي الذي يتسربل به المسلمون كلّ عام، ويغسلون أدران قلوبهم عند جبل عرفة. ذلك المشهد الذي لا يكرّر نفسه إلّا مرّة في السنة، كي يتمّوا مناسكهم، ويستحقّوا لقب (الحاجّ). لوهلة خلتُ أنّ ضجيجهم يصل مسامعي وأنا في ذات عرق، المكان الذي نزلت فيه، لكنّني استعذتُ من شيطان الوهم الذي غزا عقلي متخفياً بزَيّ أمنّية بأن يكون ذلك حقيقة لا خيالاً: (لا يا بشر، يا أخا بني أسد، يبدو أنّ شغفك بالوصول إلى الجبل هو ما جعل الوهم مجدّداً يسلّ سيفه لمحاربة واقعك، فترى الجبل يسير لاستقبالك على قارعة مكّة!). همستُ لنفسي وأنا أشاهد عجيج قافلة قادمة نحوي، وما أسرع أنّ وّلى الظن بلا رجعة، واتضحت معالم القافلة، نعم، جثم اليقين على صدري، إنّها قافلة الإمام الحسين(عليه السلام). اضطرب قلبي شوقاً وأنا أستنشّق عند سلامي عليه عطر محمّد(صل الله عليه وآله وسلم)وعليّ(عليه السلام) المتضوّع من قميصه. وغزل الأفق خيوط الشمس الناعسة نحو الشفق في لوحة مرسومة بأيادي القدرة، وعرفة وعشيتها تناديان الإمام الحسين(عليه السلام)، أن أخرج من فسطاسك هوناً هوناً. خرج وعيناي وعينا أخي بشير تراقبان تذللـه لله(عزوجل)، وخضوعه رافعاً يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين داعياً إلى الله(عزوجل). تطايرت أشباح أمنّياتي ذليلةً أمام تلك اللوحة العرفانيّة الخاشعة التي أغنتني عن مكّة وجبلها، وأسمنت جوعي عبادةً وتقوى.