وداع وأمل

سراج علي الموسوي/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 177

كأنّي رأيتُ السماء متهلّلة مستبشرة، تتباهى على السماوات وعلاها، فهي تُظلّ رأس رسول الرحمة(صل الله عليه وآله وسلم). وكأنّي أبصرت الأرض فوجدتها قد بسطت رمالها، ومسحت وجهها بوقع أقدامه الشريفة، وقالت: مَن مثلي وقد وطأني سيّد الأكوان(صل الله عليه وآله وسلم). كان النسيم يلاطف محيّاه الباسم قائلاً: ما أسعدني وأنا ألمس وجنتي سيّدي ومولاي. المكان تلو المكان قد تعطّر بمرور الحبيب(صل الله عليه وآله وسلم)عليه. توجّه للقبلة، تبعه الناس، فالأقدام تتسابق للجزاء، وطُويت المسافات لنيل المراد، والقائل يقول: ما أسعدني بهذه الصحبة، وما أراد الله (عزوجل) بي إلّا خيراً. القلوب مبتهجة، والأنظار محلّقة حول البيت العتيق، ولوعة الاشتياق لا تكاد تهدأ، لامست الأيدي أطراف الحجر، كأنّها لامست نجوم السماء. ثمّ وطئت قدماه(صل الله عليه وآله وسلم) الشريفتان رمال عرفات، ونطقت الشفاه الكريمة: «أيها الناس، اسمعوا قولي واعقلوه، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا». ارتدّت الأنفاس، وجُرحت المحاجر، ووُجلَت القلوب، وامتزج الفرح بالحزن، والكلّ واجمٌ سائلٌ: ما هذا الخطب الجليل؟ أيُقبض الرسول الخليل؟ وينقطع الوحي والتنزيل؟ ما أشدّ ما نسمع!. الشجر والمدر حزنا لهذا المقال، والسؤال على لسان الحال: كيف للرأفة أن تُدرك؟ وللعدل أن يُهدر؟ وللدين أن يُنصر؟ فجاء النداء هادراً، وغدير خمّ شاهدٌ، «مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه..». عادت القلوب لأضلاعها، والأرواح لأجسادها، تصافحت القلوب قبل الأيادي، والعيون قبل الشفاه، مبارك لك سيّدي أمير المؤمنين(عليه السلام).