شَهِيدُ الوَلاءِ العَلَوِيّ
مُنذ اليوم الأول الذي جمع بين المرأة الأسديّة وأمير العدل والإنسانية، تعلّق قلب ميثم الأعجمي بحبّ فارس الحجاز الأبيّ، ولم يقف هذا الحبّ عند نيل الحرية التي منحها إياه الإمام عليّ(عليه السلام) حين اشتراه ثم عتقه، بل راح يرتقي سُلّم القرب المعنوي ليجعلهُ من حواريي الوصيّ، وممّن اختُصّ بعلمِ المنايا والبلايا، وهذه المنزلةُ لا يحصل عليها أحد، إلّا مَن امتحن الله(عزوجل) قلبه بالإيمان، وأخلصَ بطاعته لمولاه، فكان يتبعه اتّباع الفصيلِ لأمّه، ومن المعلوم أنّ الإمام(عليه السلام) لا يصحب أحداً في خلوته ومناجاته، وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدلُّ على مدى اهتمام الإمام بميثم لتقواه ونقاء روحه ولكنّ هذه الصحبة لم تَدُم طويلاً بحكم القدر الذي فجع قلب ميثم بشهادة حيدر(عليه السلام) فبرحيله رحل كلّ شيء إلاّ الذكريات الجميلة التي قضاها معه في سوقِ الكوفة حينما كان يجلس في دكّانِ التمر، ويتحدّث إليه وهو يستمع. حتّى إنّه ذات يوم عُرضت لميثم حاجة، فاستأذن الإمام لقضائها وغادر الدُّكان، وظل الإمام(عليه السلام) في الدكّان ليبيع التمر، وفي هذه الأثناء جاء رجلٌ وأشترى تمراً بأربعة دراهم ومضى، وعندما جاء ميثم ورأى الدّراهم تعجّب؛ لأنّها كانت مزيّفة، وإذا بالإمام يقابله بابتسامة قائلاً: سيعود صاحب الدّراهم. وأيضاً يعجب ميثم مرّة أخرى من قول الإمام(عليه السلام)، وبعد ساعة جاء صاحب الدّراهم وقال بانزعاج: لا أريدُ هذا التمر إنّه مرّ كالحنظل، فقال الإمام(عليه السلام)، كما تكون دراهمك مزيّفة، فأخذ الرجل دراهمه وابتعد مسرعاً ولم يتكلّم كلمةً واحدة. كما أنّ الأحاديث التي سمعها وحفظها عن أمير المؤمنين(عليه السلام) لم تغادر مسامعه حتى آخر لحظات حياته، ولعلّ ما كان يشغله عن ألم الفراق ويهوّن عليه وحشة الغياب كثرة تردّده على النخلة التي أخبره الإمام(عليه السلام) أنّه سيُصلب على جذعها، فكان يصلّي عندها ركعتين ويخاطبها قائلاً: (أنبتك الله من أجلي وغذّاني من أجلك)، ولم ينقطع ميثم عن زيارة النخلة إلى أن تمّ اعتقاله حين عودته من العمرة في حملة اعتقالات شنّها ابن زياد اللعين ضدّ شيعة أمير المؤمنين(عليه السلام)، فأودعه السجن مع المختار وأصحابه. وبينما هو في ظلمة الزنزانة وصلت أنباء مذبحة كربلاء إلى مسامع السجناء، فضجّوا بالعويل والبكاء؛ حزناً لهذه الفاجعة الأليمة، ولم تمضِ مدةٌ طويلةٌ حتّى انتفض ميثم للولاء العلوي، رافضاً البراءة مع علمه بما ينالهُ من صلب وتقطيع أعضاء، فما كان منه إلّا أن اتخذ جذع النخلة منبراً لنشر فضائل الإمام عليّ(عليه السلام) وذكر مخازي أميّة. حتّى لا تتغيّر الناس وتنقلب ضدّ الحكومة الأموية، قطعوا لسانه، ثم طعنه رجل بخاصرته، فكبّر ميثم ومع تلك التكبيرة خرجت روحهُ نحو السماء، لتكون مع عليّ(عليه السلام) وفي درجته كما أخبره عن ذلك، أمّا الجسد المضرّج بالدماء فقد بقي مصلوباً لم يوارَ الثرى، وكأنّه بذلك يواسي جسد الإمام الحسين(عليه السلام) بكربلاء. ....................... (1)مناقب آل أبي طالب: ج1 ص329. (2) الإرشاد ج1، ص323.