وِشاحُ الزّهدِ وجِهَازُ التّوَاضُع
أهازيجُ وزينةٌ ونِثار؟ !! أَهو عرسٌ أم فرحة الجنان؟ عرسٌ في الجنّة؟!! اجتمعتْ حورُ العينِ متسائلةً فيما بينها بلسانِ حالِها -وهي ترى الجنّةَ متزينةً بأبهى حلّة- لتجيبها الأهازيجُ بأنغامِ التسبيح والتهليل: بلى، إنّه عرسٌ، والشهود أربعمائة من الملائكة!! والنِّثار من الدر والياقوت من طوبى الشجر!! فتعالَينَ وشارِكنَ تبريكاتِ السماءِ، والتقطنَ خيرَ الثمرِ؛ لتهادينه فيما بينكنّ لفرحةِ خير البشر!! يبدو أنّ العقد الثمين للحُجج في الأرض بين النبوّة والإمامة بدأ بالتشكّل! لؤلؤٌ منضودٌ برّاقٌ قد امتزج فيه نوران؛ ليزيده بريقًا وإشعاعًا على صفحة الوجود! هكذا بدتْ النشوةُ تتردّدُ بين سكّان السماء، صلواتٌ وتبريكٌ للآل؛ لترسل صداها إلى الأرض. أين أنتَ يا جبرائيل؟ لتنزلْ إلى الأرض، وتبلّغْ الحبيبَ بتزويج عليّ(عليه السلام)من فاطمة الزهراء(عليها السلام)، فقد جاء الأمر الإلهي، وإنّ عليًا لكعبةٌ يُحجّ إليها، ولولاه لمَا كان لفاطمة كفؤٌ. ابتدر الأمين ممتثلًا لأمر العزيز ومبلّغًا رسالته، حاملًا أكاليلَ الفرحةِ ووردًا يطوّق به العريسين. فإذا بالخاتم محمّد(محمد صل الله عليه وآله وسلم) يأمر الفتى عليّاً(عليه السلام) أن يتقدّمه للمسجد، بعد أن عَلِم برضا كريمته. وبمحضر من المهاجرين والأنصار والمسلمين، تمّ الزواج الميمون، ليشهد الجميع عليه. توشّحتْ الفرحةُ رداء العريسين وعانقتهما، وأخذتْ من عطرهما؛ ففاحتْ في أرجاء المدينة، لتدخل قلوبَ المحبّين، وترسلهم للتبريك والمشاركة في مراسيم الزواج حتّى تصل إلى بيت فاطمة وتستقرّ. ما أروعَ الزواج حين يكون لله، وعلى سنّة رسوله(محمد صل الله عليه وآله وسلم)، ولقد تمثّل ذلك في زواج النورين، فالمهر لم يتجاوز الأربعمائة وثمانين درهمًا، وكان ذاك ثمنَ درعِ أولِ الناس إسلامًا. أمّا الجهاز فسمتُهُ التواضع، ومفرداتُه الزّهد، وقد تمثّل في قميصٍ بسبعة دراهمَ، وخمارٍ بأربعة دراهمَ، وقطيفةٍ، وثوبٍ، وسريرٍ، وفراشينِ حشوهما من صوفِ الغنم، وأربعِ مرافق، وسترٍ من صوف، وحصيرٍ، ورَحى، ومِخْضَبٍ، وسقاءٍ، وقدحٍ من خشب، وشنٍّ للماء، وجرةٍ خضراء، و كوزين من خزف، وعباءةٍ خيبريةٍ، وقربةِ ماءٍ. ولقد بارك المصطفى(محمد صل الله عليه وآله وسلم) ذلك الجهاز، فقال: «اللّهمّ بارك لقوم جلّ آنيتهم الخزف» أثاثٌ هو مدرسةٌ، أرضٌ فُرشت بالرملِ، وسائدُ محشوّةٌ بالليف، جرّةٌ، ورَحى حجريّةً! لا غرابةَ في البين؛ فمَن طمع في الآخرة زهد في الدنيا، ومَن عشق الدنيا فلن تجد البساطةُ في العيش إليه طريقًا، ولن يرضي نفسه سوى البذخ والترف في كلّ شيء. لقد حرص الإسلام على تقليل المهور، وتيسير أمر الزواج، وأن لا تكون الأمور الماديّة عائقًا أمام الزواج؛ فقد ورد عن رسول الله» :«أفضل نساء أمّتي أصبحهنّ وجهًا وأقلهنّ مهرًا». أَمَا بعد هذا البيان والتأكيد؛ فليس صحيحًا أن يُبرّر بعضُنا غلاء المهور بأنّه أمر يرجع إلى ما تراضى عليه الناس، وأنّنا في زمن يضرب الغلاءُ بجوانبه من كلّ ناحية، وأنّه لابّد من مراعاة ما تفرضه الظروف! إنّ الحلّ لا يأتي بتبرير الخطأ، وإنّما بالتصدي للسبب، ومعالجة أصل المشكل. فيا أختي الكريمة: أنتِ لستِ سلعةً معروضةً للبيع في مزاد يمتلككِ مّن يدفع مالًا أكثر! وتذكري قول الرسول الأعظم(محمد صل الله عليه وآله وسلم): «تياسروا في الصّداق، فإنّ الرجل ليعطي المرأة حتّى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة»، والحسيكة: هي الحقد والعداوة، واستحضري ما ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) من أنه قال: «لا تغالوا بمهور النساء فيكون عداوة». ................. (1)نِثار: هو نثر الجوز واللوز والسكر، تهذيب اللغة ج15: ص56. (2)مستدرك بحار الأنوار: ج62: ص1. (3) ميزان الحكمة: ج4: ص189. (4)ميزان الحكمة: ج4: ص189. (5)المعجم الوسيط، إبراهيم أنيس، عبد الحليم منتصر، وآخرون. (6)بحار الأنوار: ج100: ص351.