رياض الزهراء العدد 147 أروقة جامعية
أَروِقَة جَامِعيَّة
ما تخبّئه لنا الأروِقة هُناك.. عن التفاصيل التي تصنعُ ذاكرة الحلم، بين سندانِه.. والواقع.. نونُكِ.. جرة قلم (إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم)/ (الأنفال:70) جميلة.. تخاطب القلب.. تريد القلب.. تصنع القلب، عميقة، وعظيمة. قد نمشي في طريق ما فـيقطع، قد نقوم بـعمل ما فتتلاشى فيه أسباب التوفيق، قد نتعثّر عند فرصة ما فـتفوتنا، قد نمشي يمينًا ثم نكتشف متأخرين أنّ الاتّجاه كان يسارًا.. قد نختار رحلةً طويلةً من دون رفقة.. نعم، قد تضيع فرصة وتفلت حتّى تكون يقظًا لـفرصة قادمة أكبر وأجمل.. قد تسلك طريقًا خاطئًا حتّى تستطيع تتمييز الطرقات الصحيحة بعده جيدًا، قد تفشل في عملٍ ما، حتّى تتعلّم كيف تكون مخلصًا في عملٍ بعده.. فلا يصيبك الفشل.. لماذا يحدث ذلك؟ إن الله(عزوجل) يريدُ قلبك.. فاجعله إلهيًا، عندها: (يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) بل... (وَيَغْفِرْ لَكُمْ). ممّرات أحيانًا حين تهزمنا الموجةُ العالية ونرى البون الشاسع بين ما نحنُ وبين ما يجب أن نكون.. يلتقي طرْفُنا بـنماذج عاشت بيننا، وعاشت في ظلّ معطياتنا ذاتها.. لكنّها أبصرت جيدًا.. الله(عزوجل) كان الدرب البِكر لها دائمًا.. لذلك لم يكونوا يومًا أسماكًا ميتةً يجرفها تيار الموج.. كانوا أسماكًا حرّة. الحلقة السابعة والعشرون كان الأسبوع الثاني من شهر رمضان المبارك.. وكانت الامتحانات في أوجّها.. بعد ليلةٍ طويلة التهمت قدرتي على النوم، عشت فيها بين أوراق مواضيع تخصّص طب الأطفال.. خرجتُ من الامتحان الإكلينيكي وقد أبليتُ بلاءً مقبولاً.. وكانت تراودني فكرةُ أنّ الشهر قد تصرّمَ منه أسبوع كامل وأنا لم أعشهُ كما يجب، لم أُحي أيّاً من تلك الليالي في المسجد، كانت الدراسة تسرقُ وقتي جلّه.. وأنا في زحام الفكرة.. وأشعر باليأس من نفسي.. اصطدمت عيناي بـمشهدٍ لـعاملةٍ من عاملات المستشفى أعادت ذاكرة تبصرتي.. كانت تتّخذُ ركنًا قصيّاً في أحد ممرات المستشفى الواقعة خلف جناح الأطفال.. كانت تقرأ بـصوتٍ لا تسمعه الآذان بل تسمعه القلوب.. وقبل أن تغلق ذلك الكتاب الذي كان بين يديها، كانت تحيطها هالةٌ من السكينة.. تكادُ تُرى.. كانت تعيش حالةً مسجديّة رغم أنّها لم تكن في مسجد.. لكنّ قلبها كان محلّقًا.. وكأنّ المكان كلّه قد سكنتهُ روحانية عجيبة تلامس كلّ عابر.. وقد صادف أنّي كنتُ كذلك.. ربّما هي رسالة ردٍّ آنيّ على تلك الفكرة التي راودتني.. إنّ الحضور المسجديّ لا يتجلّى إلا في المسجد.. تذكرتُ حينها ما قالت لي صديقة: حتّى لو لم تكوني في مسجد، يجب أن تعيشيه في داخلك، ذلك لأنّ القلبَ هو الحرَم. ابتسمتُ لها، وشكرتُ الله لأنّ رسالته لي جاءت واضحةً عبرها.. أمسكتُ قلبي.. وقلت لـنفسي وكأني أخاطبه: أنا، الحجُبُ كثيرة.. لا تباغتيني خفيةً من خلف أحدها.. لا أملك يقينًا تامًّا، لم أبلغ الزهد.. انتظرتُ المديح طويلاً.. تأففتُ من أبسط العبادات.. ما تورّعت عن الشبهة.. خشيتُه لذلك عبدته من دون معنى.. هذه المرّة رزقتُ فرصةً جديدة.. لـ..أجلها ، لا تباغتيني. أمسكتُ النَفَس لـوهلة، وصغتُ عهدًا من وحي اللحظة: يا قلبي ، منذُ اليوم سـتكون مسجديًّا!