التَّفْسِيرُ الصَّحِيحُ لِلصِّـفَاتِ الخَبَرِيّةِ
صفاتٌ أخبرت ظواهر بعض الأدلّة الشرعيّة بها؛ ولذا سُمّيت بالصفات الخبريّة، كاليدينِ والوجه والعين وما شابهها، قال تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء)/(المائدة، الآية 64)، و (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام)/(الرحمن، الآية 27)، و (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا)/(هود، الآية 37). وقد اختلف المتكلّمون في تفسيرها، وترتّب على ذلك اختلافهم في عقائد مهمّة بشأن الذات الإلهيّة المقدّسة أيضاً، فهناك مَن جمد على النصّ بحرفيّته، فوصفها بسمات الإمكان بنسبته التجسيم إليها، مُثبتًا له وجهًا وعينين ويدين مثل أعضاء الإنسان الجسميّة، وهم المُجَسّمة والمُشَبّهة، ونظريتهم واضحة الفساد؛ لبطلان التشبيه والتجسيم عقلًا ونقلًا(1). ومنهم مَن تصوَّر أنَّه أكثر تنزيهًا لله تعالى، فقال بالتجسيم من دون التشبيه عِبر القول بـ(البَلْكَفَة)، فأثبت أنَّ له سبحانه يدًا لكن بلا كيف، ووجهًا بلا كيف، وعينًا بلا كيف، وهم الأشاعرة، إلّا أنَّ تصوّرهم لم يكن في محلّه، فقد أضافوا إلى صفاته سبحانه هالةً من الغموض في دينٍ واضحٍ صريحٍ! ومن دون أيّ دليلٍ قطعيّ على ذلك! فضلًا عن إثباتهم التجسيم كسابقيهم!! ومنهم مَن عامل الآيات المشتملة على الصفات الخبريّة معاملة الآيات المتشابهة، فأجرى الصفات عليه(سبحانه وتعالى) وفوّض المراد منها إليه (جلَّ وعلا)، وهم جمعٌ من الأشاعرة، مع أنَّ تلك الآيات ليست من الآيات المتشابهة بشيء!! ومنهم مَن قال بتأويل الصفات الخبريّة، وأشهرهم المعتزلة، بدعوى أنَّ ظاهر القرآن يخالف العقل الصحيح! فيجب ترك النقل لأجل صريح العقل!! وهو قولٌ مجانبٌ للصواب؛ إذ إنَّ اللغة العربيّة كسائر اللغات زاخرة بالكنايات والاستعارات والمجازات التي يستخدمها أهل اللغة أنفسهم، وعليه فإنَّ للآيات ظهورين: حرفي وجُملي، وما لم يوافق من الآيات ظهورُها الحرفيُّ العقل، يوافقه ظهورها الجُملي، كاليدين مثلًا؛ فإنَّها وإنْ فُهِم منها طبقًا للظهور الأوّل (العضو الجسماني المعلوم الهيأة)، فإنَّ ما يُفهم منها طبقًا للظهور الثاني البراءة من البخل والعجز مثلًا في قوله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)، وهو موافقٌ للعقل تمامًا. وأمّا سبب ترجيحه فقرينة قوله: (يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء)، فضلًا عن نزولها ردًّا على اليهود الذين قالوا: (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ)، أيّ مقيّدة بالسلاسل (والعياذ بالله). وتفسير الصفات الخبرية بإجرائها بالمفهوم التصديقي ـ الذي يقتضيه الظاهر الجُملي للآيات مع ملاحظة القرائِنِ الموجودةِ فيهاـ لا بالمفهوم التصوري - الذي يقتضيه الظاهر الحرفي لهاـ هو التفسير الصحيح، وهو ما قالت به الإمامية. فإن كان قصد المؤوّلين من التأويل ما تقدّم بيانه فهذا ليس بتأويل، وإنّما اقتفاء الظاهر الجُملي، وإلّا فإنَّ اختراع تفسيرٍ ما للصفات الخبرية من دون قرينةٍ قطعيةٍ لا يقلّ خطورة عن التجسيم. ................................. 1- بداية المعرفة، الصفات السلبية، ليس بجسم، ص117و118.