رياض الزهراء العدد 156 أنوار قرآنية
لَيلَةُ الثقلَينِ سَــلامٌ هِـي
ليلةُ القَدْر هي ليلة في خير الشهور شهر رمضان، وهي خير من ألف شهر، كرّمها القرآن بسورة تتكلّم عن مكانتها في خمس آيات كلّها تعظيم لكثير من الخصائص والمزايا فيها. ليلة القدر هي الليلة التي أُنزل فيها القرآن الكريم على قلب رسول الله محمّد(صل الله عليه وآله وسلم) بشكل دفعي مرّة واحدة، ثمّ أُنزل تدريجيّاً خلال ٢٣ عاماً بإجماع المفسّرين. لهذه الليلة فضائل عديدة، منها ما ذكره النبي(صل الله عليه وآله وسلم) بقوله: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدّم من ذنبه"(1). وذُكرت (ليلة القدر) ثلاث مرّات في السورة المكوّنة من خمس آيات تعظيماً وإكبارًا لها، وكلمة (القَدْر) على قول: (إنّها من القدر العظيم، والمكانة الشريفة). والقول الآخر وهو الأشهر: (إنّ المراد بالقدر التقدير، فهي ليلة التقدير، يقدّر الله فيها حوادث السنة من الليلة إلى مثلها من قابل، من حياة وموت ورزق وسعادة وشقاء، وغير ذلك)(2). ليلة القدر عبّر عنها القرآن الكريم بأنّها خير من ألف شهر؛ أي خير من عبادة ما يقارب ٨٣ عاماً وهو تقريباً عمر الإنسان، فأيّ ليلة عظيمة هذه؟ وفيها مثلما يقول القرآن: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)/(القدر: الآية 4)، وفعل (تنزّل) بالأصل (تتنزّل)، وهو فعل مضارع يفيد الاستمراريّة؛ أي تنزّل الملائكة والروح فيها في كلّ عام بعد الرسول الكريم(صل الله عليه وآله وسلم) على الأئمة(عليهم السلام) من بعده، مثلما جاء في الخبر عن أبي جعفر الثاني(عليه السلام): "أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قال لابن عبّاس: إنّ ليلة القدر في كلّ سنة، وإنّه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله(صل الله عليه وآله وسلم) فقال ابن عبّاس: من هم؟ قال: أنا وأحد عشر من صلبي"(3). مثلما تعدّدت الآراء بشأن (الروح)، الذي يتنزل مع الملائكة في ليلة القدر، فرأي ذهب إلى أنّ الروح هي الروح التي خلقها الله(عزوجل) في الإنسان، ورأي ذهب إلى أنّه الوحي، والرأي الثالث وهو الأصحّ: إنّ الروح مخلوق أعظم من الملائكة، مثلما رُوي أنّ الإمام الصادق(عليه السلام) سئل عن الروح وهل هو جبرائيل؟ قال(عليه السلام): "جبرائيل من الملائكة، والروح أعظم من الملائكة، أليس أنّ اللّه(عزوجل) يقول: تنزّل الملائكة والروح"(٤). ووصف القرآن الكريم (ليلة القدر) بأجمل وصف بقوله تعالى: (سَلَامٌ هِيَ) وصفها بالسلام والطمأنينة؛ فليلة القدر سلام من كلّ سوء، ومن كلّ شرّ. وفي قوله تعالى: (..حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ )/(القدر، الآية: 5)، حثّ على استثمار ساعات تلك الليلة ودقائقها حتى النهاية في ليلة نعيش فيها السلام والطمأنينة من كيد الشياطين وننطلق فيها نحو عوالم الملكوت راجين نفحات تلك الليلة المباركة ونحن نهيم بين ثنايا الدعاء والمناجاة والعبادة، ونرجو أن تُقدّر لنا مقادير الخير حتى العام المقبل، ليلة نعيش فيها السلام الماديّ والمعنويّ ببركتها وببركات القرآن الكريم والرسول الأمين محمّد(صل الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين من وُلده، فليلة القدر ليلة ملازمة الثقلين لبعضهما: الكتاب والعترة. ............................... (١) تفسير مجمع البيان، ج ١٠: ص ٣٦٤. (٢) تفسير الميزان، ج٢٠: ص١٨٦. (٣) تفسير نور الثقلين، ج5: ص156. (٤) تفسير الأمثل، ج٢٠: ص ٣٤٤.