كُنْ كَالنَّحْلَة

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 540

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام): "المؤمن كالنحلة إن أكلت أكلت طيباً، وإن وضعت وضعت طيباً، وإن وقعت على عود لم تكسره "(1)، يا له من تشبيه في قمة الروعة من يعسوب الدين وقائد الغرّ المحجّلين(عليه السلام)، حيث جمع به أهمّ الصفات التي يجب أن يتحلّى بها المؤمن. المتابع لدورات التنمية البشرية يجد أنّ أكثر ما يتمّ تناوله فيها هو طرق التأثير في الآخرين والإقناع، وكيفية الوصول إلى المجتمع متعاون متحابّ يتسمّ بالعمل الجماعي ونشر الفائدة للجميع، وكلّ هذه القيم وغيرها الكثير مجموعة ومختصرة في الكلمات النورانية للإمام علي(عليه السلام). فالنحلة مليئة بالحيوية والنشاط، والعمل الدؤوب الذي لا مَلل فيه ولا كَلل، فهي لا تيأس بل تعاود الكَرّة مرّات ومرّات لتصل إلى الهدف المنشود، ومن صفاتها أنّها تأكل الحلال الطيّب الطاهر، فتعطينا الإنتاج الشافي مثلما قال تعالى: (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)/(يس، الآية: 69)، كما أنها تمتاز باللين، "وإن وقعت على عود لم تكسره" أي أنّها عنصر بنّاء وليس هدّاماً. وممّا يختصر الطريق أمام طالبي النجاح والراغبين في التميّز بعض الحروف، قليلة العدد، غزيرة المعاني، تلك التي سنحطّ الرحال في رحابها لنغترف بعضاً من فيوضاتها، فقد قال(عليه السلام): "الرِفقُ مفتاحُ النجاح"(2)، فمن أهمّ ركائز بلوغ الأهداف هو امتلاك صفة الرفق واللين، وهي ما يتعارف عليها في عناصر النجاح بكلمة (المرونة)، أي وضع البدائل المتعددة لتحدي العقبات المُتوقع اعتراضها طريقنا، والاستفادة من الخبرات السابقة وكلّ إخفاق أو تعثّر بشكل إيجابي. الرفق يحيطنا بهالة من الأشخاص المحبّين والمساندين ليدعموا خطواتنا بالتحفيز المستمرّ، ولنا في رسول الله أسوة حسنة حيث قال الله تعالى عنه: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)/(آل عمران، الآية: 159)، فقد استطاع (صل الله عليه وآله وسلم) كسب قلوب ألدّ أعدائه على الرغم من قسوتهم عليه. ينشر الإنسان الخير والحبّ والسلام عن طريق العلاقات الجيّدة مع الآخرين بترسيخ مبادئ الألفة، وبناء النفس من الداخل ليكون باعثاً للخير أينما توجّه، مروّجاً للطمأنينة؛ فالمؤمن هَشّ بَشّ، يشعّ بالتفاؤل والأمل، فلنبدأ بغرس بذور الرفق في قلوبنا لتكبر وتورق محبةً وتسامحاً ليعمّ ويشعّ السلام من بيوتنا وينتشر في جميع أرجاء المجتمع، ونكون أمّة متحابّة في الله تبحث عن مواطن الخير وتغضّ الطرف عمّا سواه. ............................ (1) عيون الحكم: ج 6، ص312. (2) ميزان الحكمة: ج4، ص106.