لا لِتَضْيِيعِ الفُرَصِ الذَّهَبِيَّةِ

فاطمة صاحب العوادي/ بغداد
عدد المشاهدات : 162

بين التهكّم والاستفهام بدأت أمّ حسين كلامها وهي مُحاطة بالثلّة الطيّبة: "لا أدري بأيّ طريقة يفكّر هؤلاء الناس، أهكذا نستعدّ لاستقبال شهر رمضان؟!" - أمّ زهراء: لابدّ من أنّكِ رأيتِ الأسواق مكتظّة بالمتبضّعين، أليس كذلك؟ - أمّ عليّ: هذا المشهد صار مألوفاً كلّما قَرُبَ الشهر الكريم. - أمّ جعفر: وكأنّ الأسواق ستخلو من كلّ شيء. - أمّ زهراء: الحقيقة ليس هوس التسوّق هو المشهد السيّئ الوحيد الذي نشاهده، بل هدر الأوقات الروحانيّة عبر الإنشغال بتحضيرات وجبات الإفطار والسحور. - أمّ جواد: ولكن حبيبتي أمّ زهراء هذه التحضيرات هي من المباحات التي جعلها الله لعباده. - أمّ جعفر: أضيفي إلى ذلك ثواب إطعام الصائمين، والأخوة والأقارب. - أمّ حسين: نعم، إنّ إطعام الطعام وصِلة الأرحام من المستحبّات المؤكّدة التي ندب إليها الله(سبحانه وتعالى) ووعد بها جزيل ثوابه وحثّ عليها آل البيت الأطهار(عليهم السلام)؛ فقد جاء في خطبة السيّدة الزهراء(عليها السلام): "صلة الأرحام منسأة في العمر و منماة للعدد..."(1)، أنا لا أعترض على ذلك، بل إنّ إعداد الطعام اللذيذ للأسرة وإشاعة جوّ من الحيوية والفرح أيضاً من الأمور المحبّبة، ولكن قصدي عدم المبالغة في تحضير الأنواع المختلفة لدرجة الإسراف في المال والجهد، وتضييع فرصة العبادة والتأمّل في كتاب الله المجيد. - أمّ عليّ: ياللأسف هذا ما يحصل فعلاً في أغلب الأسر، نتغافل عن عظمة الشهر الكريم وما فيه من نفحات روحانية وفيوضات إلهية. - أمّ جعفر: أعظم العبادة هو تجنّب المحرّمات والحثّ على صلة الرحم؛ فالله تعالى بالصوم يريد لأرواحنا السموّ، ولنفوسنا العفّة ولقلوبنا الطمأنينة. - أمّ زهراء: بوركتِ، وأكثر ما نخشاه الغِيبة التي قلّما ينجو أحد من شراكها. - أمّ جواد: كذلك كفّ الأذى، فلا نجرح أحداً بفعل أو كلام، فشهر رمضان شهر الرحمة. - أمّ حسين: عند قراءتي خطبة النبيّ الأكرم(صل الله عليه وآله وسلم) انهمرت دموعي أسىً، وعلمتُ كم بخسنا حظّ أنفسنا وحقّ الشهر الكريم. - أمّ جعفر: أجل حبيبتي، لكن يبقى رجاؤنا بالله الذي جعل النوم عبادة، والأنفاس تسبيحاً، ومضاعفة الحسنات تأمّلنا بالعفو عمّا قصّرنا فيه. - أمّ زهراء: وهو الذي أضاء حياتنا بحبّ الهُداة الأبرار، نستنير من قبسات أدعيتهم وننتشي بعبق ذكرهم العَطِر، فهذا الشهر فرصة ذهبية. - أمّ حسين: لذا يجب علينا تقدير النعمة وزيادتها بالشكر. - أمّ جعفر: اللّهم اجعلنا من الذاكرين، الشاكرين الحافظين لحقّ الله في شهر رمضان وفي كلّ الأوقات. - أمّ عليّ: نعم أخواتي، ليكن شهر رمضان دورة تدريبيّة نربّي فيها أنفسنا على الأخلاق السامية والتمسّك بكتاب الله ونهج العترة الطاهرة(عليهم السلام). الجميع هتفنَ بصوت واحد: إن شاء الله. ..................................... 1- سبيل المستبصرين إلى الصراط المستقيم: ج18، ص19.