رياض الزهراء العدد 156 لحياة أفضل
المَرأةُ فِي فِكْرِ الإِمَامِ عَليّ بنِ أَبي طَالِبٍ(عليه السلام)
قال أمير المؤمنين(عليه السلام) لمحمّد بن الحنفية: "يا بُنيّ إذا قَويت فاقوَ على طاعة الله، وإن ضعفت فاضعف عن معصية الله، وإن استطعت أن لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فافعل، فإنّه أدوم لجمالها وأرخى لبالها وأحسن لحالها، فإنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارِها على كلّ حال وأحسن الصحبة لها فيصفو عيشكَ"(1)، المرأة نصف المجتمع تتكامل مع الرجل مثلما يتكامل هو معها، ومن ثمّ فلا معنى لإسرافه في استعمال حقّه عليها، فما تريده المرأة من الرجل يريده الرجل منها، وكلّ منهما بحاجة إلى الآخر، فالمرأة بحاجة إلى الرجل مثلما أنّ الرجل بحاجة إليها، وعملية الاحتياج متبادلة، والمطلوب من الرجل فسح المجال أمام المرأة لتسهم في التغيير نحو الأفضل من الموقع الإنساني الواحد، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)/(النساء، الآية 1)، لذلك نرى الإمام عليّاًg في نهج البلاغة يُوصي بالمرأة خيراً؛ فهي المخلوقة الضعيفة التي لا يجوز تحميلها أكثر من طاقتها، بل إنّ سترها ووقايتها وحفظها والغيرة عليها ومحبتها هي من صفات الرجل المؤمن. وقال(عليه السلام): "إن كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ وإنهنّ لمشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة فيعير بها وعقبه من بعده"(2)، فنجد للمرأة في نهج البلاغة صولات وجولات، فتارة هي ضعيفة مسكينة، وتارة قوية ثائرة، تارة تميل إلى الخير، وأخرى إلى الشر، وتارة عقرب حلوة اللسعة والحذر منها باقٍ في كلّ الحالات؛ ونظرة الإمام عليّ(عليه السلام) للمرأة هي نظرة الإمام المعصوم الذي عرك الحياة وعركته وشاهد من المرأة صنوف العذاب، وذاق منها حلوها ومرّها فكان حلوها أحلى من العسل ومرّها أمرّ من العلقم وتولّى القضاء فلم تستطع المرأة أن تفلت من عدله وهو أقضى القضاة، كان عادلاً في حكمه عليها مثلما كان صائباً في نظرته لها، وكان متسامحاً معها، فالمرأة عنده g تارة هي الفتنة التي يجب التعامل معها بحذر، وتارة طيبة معطاء، ونلمحها حاقدة حتى النَفس الأخير، أو مؤمنة محبّة، وعدوة مبغضة حتى الموت، وغيورة حتى الكفر. إنّها المرأة بكلّ أحوالها وتقلّباتها، وفي كلّ هذه التقلّبات يجد (عليه السلام) العلاج الشافي لكلّ أدوائها، فهي عنده لغز يستطيع حلّه كلّ مَن استطاع أن يسبر غورها ويبحث عن سريرتها ويكتشف نوع شخصيتها، فقد كانت المرأة لتسيء للإمام عليّg فيحسن إليها ويكرّمها ويوصّي بالإحسان إليها، فتقول له: "يا قاتل الأحبّة ويا مفرّق الجمع"(3)، وتقول ذلك وقد أحرق قلبها وهي ترى أحب الناس إليها يُفقد أو يُقتل وتُحرم منه، فيقول (عليه السلام) لرجاله: "ولا تهيّجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم وسَببْنَ أُمراءَكم، فإنهنّ ضعيفات القوى والأنفس والعقول"(4). .............................. (1) مكارم الأخلاق: ص 218. (2) ميزان الحكمة: ج4، ص 141. (3) شرح نهج البلاغة: ص1. (4) سفينة البحار: ص 1.