فَرِيضَةُ الأَمرِ بالمَعْرُوفِ والنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ وَانحِسَارُهَا فِي المُجْتَمَعِ

فردوس نعيم الظالمي/ المثنى
عدد المشاهدات : 162

لنقف قليلاً عند هذه الفريضة الواجبة في الشريعة الإسلامية، ونتناولها من وجهة نظر مجتمعيّة، فهذا المفهوم يلتبس أحياناً على الكثير من الناس إلّا من رَحِم ربّي، فهذه الفريضة تكاد تضمحلّ وتتلاشى شيئاً فشيئاً بمفهومها الحقيقي في المجتمع، وربّما اختلط معناها بمعانٍ أخرى لا تمتّ للمعروف بِصلة، فالبعض يمارس تصرّفات ويتلفّظ بألفاظ بعيدة كلّ البعد عن هذه الفريضة، بل مؤذية ومضرّة بالمجتمع إلى حد ما بحجّة هذه الفريضة وتحت مسمّاها؛ فالتهجّم بالقول والفعل وغيرها لا يقوّم اعوجاجاً أبداً، بل يزيد الأمر سوءاً، لأنّ الأغلب يتفوّه بحكم النظرة السطحيّة والمتسرّعة على الآخرين، فضلاً عن ذلك الرؤية من منظار واحد هي رؤية شخصية أكثر ممّا هي رؤية مجتمعية. فضلاً عن الردّ بما هو أسوأ متناسين قوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)/(فاطر، الآية 18). فترى الكلّ منتقداً وموجّهاً ومصلحاً للآخرين من دون أن يلتفت إلى عيوبه، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: "طوبى لمَن شغله عيبه عن عيوب الناس"(1). قد يُنتقد البعض عن طريق الإعلام لمصلحة طرف على حساب طرف آخر، فالرجل والمرأة توجّه لهما التهم بلا فرق بينهما ويحاكمان غيابياً بأحكام تافهة لا تنهض بالمجتمع، ربّما بمزحة تُسيء إلى ذلك الشخص، أو ربّما عبر مشهد تمثيليّ، أو ربّما بفضيحة أخلاقية ملفّقة، ولنفترض أنّ من ننتقده مخطئ حقاً، فهل هذه الطرق كفيلة بإصلاحه؟ وهل سترجعه إلى الطريق الصحيح؟ أم أنّها ستمهّد له الطريق إلى الشرّ وسيصبح غير مبالٍ بالفضيحة وسيجاهر بالسوء، لأنّنا سهّلنا له الطريق حتى ظهر سلوكه الخاطئ إلى العلن، وبذلك نشرنا ما لمْ يجرؤ هو على نشره، ومن ثمّ رأى العقوبة تافهة؛ فلماذا لا يستمرّ ويزداد؟ هل هذا نقدٌ بنّاء؟ هل هذا إصلاح؟ هل هذا أمر بالمعروف ونهي عن المنكر؟ فالله سبحانة وتعالى يقول: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)/(آل عمران، الآية 159). فالإسلام انتشر في الأرض لا بالسيف والقتل والإرهاب مثلما يزعُم أعداء الدين، فلو كانَ الأمر كذلك لخرجَ الناسُ من الدّين بمُجرّد أن ذهبت عنهُم السُلطة الحاكمة أو زعامة رجال الدين؛ ولكنّ الإسلامَ انتشر بفضلِ تطابقهِ مع الفطرة والعقلِ السليم، ولمخاطبته العقول والقُلوب معاً، ولاتّصاف الدُعاةِ إلى الله بالرحمة واستخدامهِم الموعظة الحسنة والحِكمة في القول والدعوة إلى الله، وهذا هوَ منهجُ الإسلام الذي أمرَ الله به عبادهُ في القُرآن الكريم بقولهِ تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)/(النحل، الآية 125). ............................................ (1) ذكرى لكلّ امرأة مثلى: ج13، ص13.