رياض الزهراء العدد 156 لحياة أفضل
إليكَ يا شَهْرَ اللهِ
نسمات الحبّ الإلهيّ تنساب هادئة في جنبات الروح، وتتدفّق الآمال بوصفها أريج عَطِر من حقل زهور يفوح، وتنسلّ الظلمات من قلوبنا ليرتسم الفجر الصبوح، فها هي الأسقام والآلام في أرواحنا تشفى، وها هي الذنوب والآثام تولّي من غير رجعة، وها هي الأنوار تملأ كلّ أفق ومكان، شعور بالرضا والاطمئنان هو ما يسيطر على قلب الإنسان بحلول أيام شهر رمضان. أيّها الشهر الفضيل.. يا محراب الروح، وميقات الجسد، أيّها الشهر الذي تنزّل فيك القرآن الكريم على نبيّنا العظيم محمّد(صل الله عليه وآله وسلم)، أنت شهر ليس كباقي الشهور، تفيض عطاءً وخيراً وتكتسي بالسرور، وما أدرانا ما أنتَ وأنت فيكَ ليلة القدر التي تساوي الدهور، ما أجملَ سويعات الثلث الأخير من الليل فيكَ، وأصوات الدعاء والمناجاة تنطلق عبر الأثير، من كلّ دار ومسجد، ويصدح بالذكر كلّ عبد وأمة، دعاء السحر وصلاة الفجر بمثابة بوابة لدخول نعيم الصيام، يطهّران القلب قبل الدخول، فيغدو مستشعراً آيات الله ونِعَمه، ذاكراً لجوع يوم القيامة وعطشه بحقّ، متعاطفاً مع الفقراء والمساكين بصدق. وما اللحظات التي يُقرأ فيها دعاء الافتتاح بعد الإفطار إلّا لحظات من عوالم ملكوتيّة، تَهبُ الروح البشريّة أعظم التُحَف السنيّة التي تزيّنها وتطهّرها، هكذا أيّها الشهر الحبيب تمضي كلّ الساعات فيكَ كأنّها ثوانٍ معدودة، وترحل الأيام رحيل غيوم الصيف الموءودة، وتتناثر الأعمال الصالحات في كلّ الإنحاء والجنبات، فكيفما أدار المرء وجهه وجد للخير دليلاً، وللدعاء سبيلاً، وكأنّك تهب لمَن أراد قرب الله(عزوجل) ظلاً ظليلاً. فدُمْ يا شهر الخيرات علينا ما دام العمل منّا صالحاً ومقبولاً، وأنِرْ لنا كلّ آمالنا وزِدْها خيراً مأمولاً، وهَبْ لنا في كلّ سكناتنا وحركاتنا خيراً مفعولاً، واجعلْ لنا في ليلة القدر سراجاً منيراً ينير لنا دروب القرب من الله تعالى، واجعل ما بعدك خيراً ممّا قبلك فكراً وفِعالاً، ولا تَغِبْ أيّها الشهر الفضيل إلّا بغفران الذنوب، وستر العيوب، فنحن وجدناكَ ربيعاً لأرواحنا، وكنتَ أنتَ ربيع القرآن، فبات في تلاوته ربيع قلوبنا. أيّها الشهر العظيم، يا شهر رمضان، طهّر قلبي من كلّ شوائب الدنيا ودعه يحلّق في الجنان، وأصلح ضلال نفسي وباركها بالإيمان، ولا تكنْ آخر شهر يمرّ عليّ بحقّ البارئ الرحمن.