رياض الزهراء العدد 156 منكم وإليكم
الإسرَاءُ.. رِحْلَةٌ مِنَ الأقْصَى إلى الأَدنَى
بعد أن باشرت الظلمة بعملها اليومي خليفة لنهار مرفّه بعطايا الشمس، وأخذت تغزل خيوط ابتعادها شيئاً فشيئاً عن آخر شعاع مستلّ من تلك الكرة الذهبيّة العظيمة، وراح إيقاع دبيب البشر على الأرض يخفت معلناً تعاقباً آخر للجديديْنِ الليل والنهار، انطلق ثلاثي الملائك بقيادة جبرئيل مصطحبين تلك الدابّة البهيّة لتكون وسيلة النقل في مسرى ليلي على شرف زعيم الأكوان وسيّدها؛ ليريه من آياته تصديقاً لوعده المسبق: (وَلَسَوفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)/(الضحى، الآية 5). انطلق البُراق مختالاً بمَن يحمل على متنه، يجوب أجواء السماء زهواً إلى حيث مهبط ذلك المسرى أرضاً في المسجد الذي بُورك ما حوله، إلى حيث اللقاء الأول بالأنبياء: إبراهيم وموسى وعيسى(عليه السلام)، كانت للصلاة ركعتين حلاوة خاصّة وهي بإمامة صاحب الشرف الأوحد في هذا الترحال الملائكي، ودّع البُراق راكبه البهيّ على أمل اللقاء به عند العودة، وشقّ الموكب الملائكي المحمديّ طريقه ماخراً عباب ما بين الأرض وأقرب سماء له في أول أطباق السموات السبع، تجحفلت أسراب الصافّات مصطفّات للترحيب بالوافد الأعظم عليها في تاريخها، واستمرّت تلك الجولة الإعجازية ما بين سماء وأخرى تتخلّلها لقاءات تعارف مع رُسل الله وأنبيائه الحافّين بضيفهم الكريم، وزيارات ميدانيّة للاطّلاع على أحوال أهل الجنّة وأهل النار. واصل المعراج المحمديّ جولته حتى دنا وتدلّى ليصبح أدنى من قاب القوسين قرباً من الملكوت الأعلى كي يُوحي العليّ إلى عبده ذي الرفعة والشأن الكبير ما يريد وحيه إيّاه وليماريه الناس بعد ذلك على ما رأى من آيات ربّه الكبرى عند سدرة المنتهى المحفوفة بجنّة المأوى، إذ تنقطع علوم الخلائق عندها، كلّ ذلك العروج كان إيناساً لخاتم الرُسل بالعالم العلويّ وما فيه، وإعلاناً بما ناله ذلك المبعوث من مقام محمود.